هويتنا في الحاضر ومنطلق دخولنا عالم الغد. ولكن يبقى ان هذا التراث يعبّر عن فهم عصر آخر وزمن مختلف، وكان تعبيرا عن التجديد والابداع في البيئة التي أنتجته، ولا ينبغي أن تبقى نظمه المعرفية والعقلية وأدواته ومناهجه، التي صاغتها عقول المبدعين والمجددين في أزمنتهم، عائقاً أمام المراجعة والاصلاح والتطور الفكري والتنمية الشاملة، والتغيير والنهوض الإسلامي الذي يكفل التأسيس للبديل الحضاري الإسلامي المستقبلي. والظواهر الفكرية والحركية المتنوعة التي تشهدها الساحة الإسلامية، منذ بدايات القرن الميلادي الماضي حتى الآن، هي – في معظمها – افراز لانماط التعامل مع التراث، والذي أفرزثلاث تيارات رئيسة، بغض النظر عن أسمائها وسمياتها وطبيعة انتماءاتها وزمن انبثاقها، الأول والثاني تعاملا تعاملاً انفعالياً وغير متوازن وغير واقعي مع التراث ومعارفه وعلومه، إذ جمد الأول على فهم السلف وأدواته ونتاجاته، ولم يع حقائق العصر ومتطلباته وضرورات استمرار الاجتهاد والاكتشاف والتأسيس، فيما أدار الثاني ظهره للتراث ومعارفه وتمسك بالعصر ومشاكله وأفكاره. وهذا التعامل غير المتوازن مع التراث والعصر تسبب في ألوان من القلق والانحراف والانفلات العقيدي والفكري والسلوكي. ويبقى ان رهان المستقبل هو على التيار الثالث الذي عاش توازنا منهجيا وواقعيا في التعامل مع قضايا التراث العصر، فأنتج نمطا متوازناً أيضاً من الفكر والرؤى والخطاب والسلوك، حفظ أصالتهم الإسلامية ومكّنه من معالجة كثير من تحديات العصر، من خلال خطاب عصري في لغته وشكله، وأصيل في بنيته ومضامينة. وهذا الاختلاف في فهم الأُصول وقواعد التعامل معها، وفي نوعية النظرة إلى الانتاج العلمي والفكري للمسلمين، والى قضايا العصر ومتطلباته، هو… على الجانب البشري في التراث.