مبادئ الشريعة وأحكامها ومقاصدها، وتحييدها ثم تأصيلها وأسلمتها، بالصورة التي يجعل منها رؤية جديدة مختلفة تنسجم مع التصور الإسلامي. وهناك مسار آخر ينزع نحو التطبيق والشكل العملي، ويختص باكتشاف الأساليب التي من شأنها إخضاع الواقع للنظرية أو اخضاع الزمن للشريعة. ووفقا لهذه المنهجية فان عمليات الاحياء والاصلاح والتجديد والتأسيس والتنظير والتأصيل والاسلمة، لها مصاديقها ومجالات اطلاقها وتطبيقها، كما ان لكل منها مساحاته الفكرية والواقعية الخاصة، ولا يمكن تعميمها جميعا على كل مساحات الفكر والواقع؛ لأن حقائقها نسبية، ولكن يبقى أن جميع النتاجات التي تفرزها هذه العمليات، والتي تشكّل بنية الفكر الإسلامي وفقا لاستدعاءات المستقبل، لابد من صياغتها صياغة واحدة، ليكون الفكر المنتج عبارة عن منظومة فكرية واحدة مترابطة في مضامينها ومتناسقة في شكلها. والحقيقة ان التجديد والاصلاح الفكري هو سنة الهية تحدثت عنها النصوص الإسلامية بوضوح تام، وفتحت لها الشريعة أبوابها، لتبقى البناء الخالد بمرونته واستحكامه، والذي تتحطم على ثباته كل التحديات المعرفية والفكرية والحضارية التي تهدد كيان الإسلام وتصوغ بنائها الحضاري الذي يناسب كل زمان ومكان. ولعل أحاديث شريفة مثل: (العلماء ورثة الأنبياء) و(إنّ الله يبعث لهذه الأُمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) و(إنّما علينا أن نلقي اليكم الأُصول وعليكم أن تفرّعوا)، هي أدلة واضحة على دعوة الإسلام لتجديد معارفه وفكره (في مساحة المتغيرات بالطبع)، وتجديد وعي الأُمة وخطابها، واستمرار حركة الاجتهاد والاستنباط، والانفتاح على الحياة ومراقبة الواقع وتطوراته. كما انها تدل على وجود مرجعية ثابتة للاصلاح والتجديد والتنظير والأسلمة، وتتمثل في الأُصول المقدسة: