تجاوزوا السماء وتعاليمها، بل تجاوزوا حتى التعاليم الإنسانية التي تعارف عليها سكان الأرض وباعتبار ان هذه المشاهد المستقبلية من جملة المشاهد التي لا يستطيع المسلمون صنعها أو المساهمة في صنعها، بالنظر لعدم مواكبتهم التطور الذي تعيشه هذه العلوم، فمن المفروض – إذن – أن يجد الفقه حلوللا وتكييفات لاشكالياتها. وينسحب هذا الواقع على الجانب الفكري أيضاً، فمثلا تطورات المستقبل (المنظور) سينتج عنه واقعاً فكرياً جديداً، سواء على مستوى النظام السياسي للدولة ونظمها التقليدية في الاجتماع السياسي والاقتصاد والاعلام والثقافة والتعليم أو على مستوى العلاقات الدولية وغيرها، وما سيترتب على ذلك من نهاية للسياسة، كما يقول بعض المفكرين، ونهاية للايديولوجيا، ونهايات أخرى، كما يقول مفكرون آخرون. ولعلّ التغيير العملي سيسبق الفكر والنظرية والايديولوجيا بمراحل طويلة، وستكون النظرية افرازا للتطبيق، والفكر افرازا للواقع العملي، وليس العكس، مما يعني ان العلوم الإنسانية والاجتماعية والأفكار والفلسفات والمناهج النظرية سيقتصر دورها على المتابعة والتحليل، وستفقد قدرتها على التنظير والأدلجة وصناعة الواقع والتغيير. بيد أن الفكر الإسلامي وعلوم الشريعة يمكنهما تجاوز هذه الأزمة والقفز على تحدياتها، من خلال المراجعة المستمرة للفكر والاطلاع الدقيق على الواقع. ويمكن للتحول النظري فيهما أن يكون أساسا للتغيير (العملي)؛ بالنظر للبعد الالهي الذي يدخل في تكوين بنية الفكر الإسلامي وعلوم الشريعة. ويفرض هذا التحول ان يعيش علماء الشريعة والمفكرون المسلمون قضايا العصر بكل تفاصيلها، ويفهمونها فهما شموليا، ويستعدوا لتطوراتها ومعطياتها المستقبلية ؛ لكي يتجنبوا ما سيتسببه المستقبل لهم من صدمات وذهول، ومن ثم تراجع قياسي وهزيمة للامة.