وعشعشت في اذهانهم، وكم من فكرة حقة باتت خافية على الكثير حتى التفت إليها المتأخرون. وكم ترك الأول للآخر. فاننا لو رجعنا إلى الشريعة واستنطقناها وامكننا تحصيل بعض الخيوط لنسيج نظرية مستقاة من معين الأدلة الشرعية فأية غضاضة في ذلك؟! وهل ان التصدي لاكتشاف عناصر القوة في الفقه المعطاء يعد أمرا مستهجنا؟! وهل هذا إلا رجوع إلى تلك المقولة المشؤومة الداعية إلى تعطيل الفكر وغلق العقل بمغاليق التحجر واقفال الذيلية غير المشروعة؟! وتعطيل الذهن ومنعه من الكدح لتحصيل اليقين بامتثال شريعة الله واحكامه والفوز بمرتبة الطاعة له سبحانه واتباع سبيله وخطه. صحيح ان الأفكار الوافدة من الغرب كان لها دور ملحوظ في اثارة البحث والتساؤل عن النظريات العامة في الإسلام مما فتح باب البحث في ذلك على مصراعيه، إلا ان ذلك مجرد حيثية تعليلية لهذا النمط من البحث العلمي في داخل الاطار الإسلامي، لا ان تلك الاثارات صارت حاكمة على الذهنية الإسلامية واخذت تسيرها باتجاهها. وهذا غير دعوى عدم اصالة هذا المنهج وكون فقه النظريات العامة فكرة دخيلة وقالب مستورد من الغرب. اجل ، انه مجال خطير يمكن ان تزل فيه الاقدام فلايسوغ لكل احد اعطاء الرأي ، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك مفصلا، بل لابد للباحث من التوفر على ما يعصمه من الانزلاق، فعليه الاحتياط التام كما يحتاط في الفتيا في الفروع الجزئية، بل ان الأمر هنا اخطر واهم بمراتب. كما انه لابد من اعداد المقدمات اللازمة قبل البت في شيء، ولابد من تقنين عملية اكتشاف النظريات العامة، لتحاشي الاخطار والاضرار المتوقعة، ولابد من ان تتم هذه العملية ضمن أهل الاختصاص الفقهي وضمن مؤسسة الافتاء. التأمل الثالث: لماذا اقتصر النبي صلى الله عليه وآله في بيان الاحكام الفرعية المتداولة ولم يشر إلى تلك النظريات العامة لامن قريب ولامن بعيد (وما على الرسول إلا البلاغ) فلو كان في الشريعة للنظريات العامة وجود فلماذا لم يعتن بها الاعتناء المناسب ولم تلق ذلك الاهتمام من قبل الشارع