نفسه، سيما وان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خاض تجربة تطبيق الإسلام واجراء الشريعة، فبالرغم من انه أسس دولة لم يطرح الإسلام على شكل نظريات عامة، إلا يكفي ذلك دليلا على عدم وجود مثل هذه الأفكار والنظريات في الشريعة؟! والجواب: ان البيان الشرعي النبوي لاينحصر باللفظ، لذا نرى الاصوليين قد قسموا السنة النبوية الشريفة إلى ثلاثة اقسام: سنة قولية، وفعلية وتقريرية. ولو سلمنا بهذا الاشكال فانه يسري إلى كثير من عمليات الاستنباط التي تعتمد الأدلة اللبية بل حتى الأدلة اللفظية، باعتبار ان الأدلة ليست كلها نصا في المراد بل قد تكون بمستوى الظهور، وقد يكون هذا الظهور ليس ظهورا بسيطا بل يحتاج إلى دعمه اقامة قرائن متعددة، وربما تستلزم عملية اكتشاف الموقف الفقهي عملية تجميع حشد كبير من الأدلة ومن مجموعها تتم عملية الاكتشاف. وقد اشار احد كبار المفكرين والمنظرين لفقه النظرية إلى هذا الاشكال وتصدى لرده قائلا: (ان النبي صلى الله عليه وآله كان يعطي هذه النظريات، ولكن من خلال التطبيق ومن خلال المناخ القرآني العام الذي كان يبينه في الحياة الإسلامية، وكان كل فرد مسلم في اطار هذا المناخ يفهم هذه النظرية ولو فهما اجماليا ارتكازيا؛ لان المناخ والاطار الروحي والاجتماعي والفكري والتربوي الذي رسمه النبي صلي الله عليه وآله كان قادرا على ان يعطي النظرة السليمة والقدرة السليمة على تقييم المواقع والمواقف والاحداث)([12]) ثم قال (اذن ، الصحابة الذين عاشوا في كنف الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) إذا كانوا لم يتلقوا النظريات بصيغ عامة فقد تلقوها تلقيا اجماليا ارتكازيا، انتقشت في اذهانهم وسرت في افكارهم).([13])