طريقة حكم وادارة المجتمع لايكفي فيه استعراض أو استنباط الاحكام الفردية أو بعض الاحكام الاجتماعية المتناثرة هنا وهناك. ونحن نجد الفقيه لايدخر جهدا في استنباط الموقف الشرعي تجاه مسألة جزئية تطرح من قبل شخص واحد أو اثنين، فنراه لايقر له قرار حتى يعرف حكم الله ليعرفه السائل والمستفتي. فالمأمول بالفقيه ان يبذل قصارى ما في وسعه لاستخراج الموقف الشرعي تجاه الحركة الاجتماعية العامة وكيفية توجيهها وادارتها، ولاريب في ان من جملة الحلول – ان لم نقل اقربها واقواها – هو النظرية العامة، ولا اقل من القول بأن التوفر على رؤية شاملة وامتلاك قاعدة عامة للانطلاق في معالجة قضايا حكم المجتمع وادارته وما يكتنف ذلك من ملابسات وتعقيدات خير من المعالجات المقطعية والتي تؤدي إلى الهرج والمرج واشاعة الفوضى قطعا سواء على صعيد الحاكم الشرعي الأعلى – ولي الأمر – أو على مستوى اجهزته المتعددة ودوائره المختلفة، فان مثل هذه الاجهزة تصدر يوميا عشرات القرارات.. انه من المسلم فقهيا ان هناك جملة من الحوادث تركت الشريعة أمر معالجتها إلى ولي الأمر سواء آمنا بتمامية ادلة ولاية الفقيه أو ناقشنا في ذلك وتمسكنا بحبل الحسبة؛ فانه لاشك من وجود مساحة مرنة لكي يتحرك فيها المتصدي ويحدد فيها الموقف. ومن المعلوم ان تحديد الموقف مشروط اولا: بمراعاة المصلحة العامة وثانيا : بما يكون منسجما مع مذاق الشارع. والقيد الأول احرازه عن طريق دراسة الظروف داخلا وخارجا ووعي المرحلة والتقديرات المستقبلية. واما احراز القيد الثاني فهو أمر صعب مستصعب؛ لأنه ما من حكم ولائي إلا ويتزاحم مع بعض الاحكام – سواء كانت واقعية أو ظاهرية ترخيصية أو الزامية وان كانت الترخيصية اخف اشكالا واهون – من قبيل التصادم مع مبدأ سلطنة الناس على نفوسهم واموالهم وشؤونهم الخاصة بهم، ولاسبيل للخروج من هذا المأزق إلا بتوفر ولي الأمر