بل ان الفرق ابعد من ذلك واعمق.. فهو ناشىء في مرحلة المبادىء والملاكات ويستمر إلى مرحلة الامتثال بل يتجاوز ذلك ويمتد إلى الآثار واللوازم. والعلة في ذلك تعود إلى الاختلاف بين طبيعة الفرد والمجتمع، فالمجتمع ليس هو حصيلة تصاعد كمي وعددي مسبب عن ضم فرد إلى آخر واضافته رياضيا، بل هو مركب ذو ماهية مستقلة وشخصية ذات كيان خاص وان كان غير خارج عن الافراد إلا ان الفارق بين الوجود الفردي والاجتماعي – مضافا إلى الفارق الكمي – فارق كيفي ينشأ من عنصر العلاقات المتشابكة التي تربط افراد المجتمع بعضهم ببعض. وان شئت قلت: ان للفرد حيثيتين وعنوانين: احدهما من حيث هو، والآخر من حيث هو جزء من كل. وهذا الفرق ليس فرقا اعتبارياً بل هو فرق واقعي ينسحب ويترتب عليه جملة من الآثار، كاختلاف السنن التي تحكم كل منهما، واختلاف طبيعة الدور الذي يلعبه الفرد والمجتمع، ومجال حركة كل منهما في الحياة. واستدل السيد الشهيد(قدس سره) على الفرق بين كيان الفرد وكيان المجتمع بالآيتين الكريمتين، وهما: اولا – قوله تعالى: (لكل امة اجل إذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولايستقدمون).([2]) ثانيا – قوله تعالى: (ولكل امة اجل فإذا جاء اجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون).([3]) وقرب الاستدلال بقوله: (نلاحظ في هاتين الآيتين الكريمتين ان الاجل اضيف إلى الأُمة، إلى الوجود المجموعي للناس، لا إلى هذا الفرد أو ذاك الفرد بالذات. اذن، هناك وراء الاجل المحدود المحتوم لكل إنسان بوصفه الفردي، اجل آخر وميقات آخر للوجود الاجتماعي للافراد، للامة بوصفها مجتمعا ينشىء ما بين افراده العلاقات والصلات القائمة على أساس مجموعة من