وهذا ما يفرض على الفقيه أن يقضي فترة قد تربو على عدة سنوات في تهيئة مقدمات البحث، فهي عملية شاقة كما سنشير إلى ذلك. 4 – ان عملية الافتاء في الموارد الجزئية تتم بتسليط الضوء على مراجعة الأدلة في باب معين، فمن اراد ان يستنبط الحكم في جواز النكس في غسل اليدين في الوضوء لايرى أي ضرورة في مراجعة الأدلة الواردة في الابواب الفقهية الأخرى كالقضاء والحدود والمعاملات والزكاة والحج، في حين ان المفتي في باب النظرية العامة تتسع عنده دائرة الاحتمال فتشمل عدة ابواب قد لايحتمل غير المجتهد ارتباطها بموضوع البحث في الوهلة الأولى، غير ان المتصدي لاستنباط النظرية قد يطرق ابوابا فقهية مختلفة، فيحصل من بعضها على مقطع ومن بعضها الآخر على مقطع ثان وهكذا حتى تتم جميع مفاصل النظرية. وهذا ما يتطلب اشرافا كاملا على الفقه بأبوابه المختلفة، بل ربما لايستفيد من بعض الأدلة أو الاحكام اللصيقة بالبحث بالنظر البدوي. بل ربما يستعين بأدلة قد ترد في باب العقائد أو يستند إلى بعض الآيات في تحليل ظاهرة معينة أو بيان معادلة ما. كما هو الحال بالنسبة إلى الآيات الكريمة في سورة إبراهيم (والله الذي خلق السموات والارض وانزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ان الإنسان لظلوم كفار). حيث استفيد منها لتحليل المشكلة الاقتصادية واسباب نشوئها؛ فان الآيات الكريمة اوضحت ان السبب لم ينشأ من الانتاج بل هو ناشىء من سوء التوزيع والظلم الذي يمارسه الإنسان تجاه اخيه الإنسان. وهذه نقطة مركزية في البحث حول النظرية الاقتصادية في الإسلام.