والخلاصة ان عملية اكتشاف النظرية العامة تقتضي وعي الواقعة والواقع الخارجي قبل عملية، ولايكفي مجرد وعي الشريعة. 2 – ان عملية اكتشاف النظرية العامة بما انها عبارة عن اعطاء الموقف الشرعي في قبال الاطروحات الوضعية الأخرى، فانها بمعنى من المعاني لاتبدأ من الصفر، بل لابد من مراجعة موقف المدارس الوضعية وما تقدمه من نظريات كي تتحدد نقاط الالتقاء والاختلاف مما يجعل الصورة المتوخاة أكثر وضوحا وبعيدة عن حالات الابهام. فان دراسة الاطروحات الموجودة فعلا والتي صاغها البشر يثير في ذهن المتابع مجموعة من الاثارات والتساؤلات ويدل الباحث على مكامن الضعف في تلك الاطروحات وعلى مكامن القوة فيها، سيما النظريات الحديثة ولايصح الاقتصار على النظريات القديمة، وبعبارة أخرى لابد من دراسة النظريات الحيّة والمعاشة ميدانيا، ولايقتصر على ادبيات العقود السالفة على صعيد الحقوق والاقتصاد والاجتماع والسياسة وغير ذلك من المجالات. 3 – ان الافتاء في الوقائع الجزئية يتمثل في عبارة يجوز أو يحرم أو يجب أو يصح ونحو ذلك وقد تذكر بعض الشقوق للمسألة لو كانت، اما بيان الموقف الشرعي تجاه مجال معين فهو يتم من خلال بيان اطروحة كاملة بما لها من الأسس والركائز والامتدادات والمؤشرات والتحليلات وبيان علاقات بين حيثيات معينة ودرجة التأثير ومستوى أهمية بعض العوامل من بعضها الآخر وتسمية العناصر المرنة والمناطق الحمراء في النظرية وآلية التطبيق. من هنا نعرف ضخامة المسؤولية التي تواجه الفقيه فيما لو تصدى لاكتشاف النظرية العامة، والمساحة الواسعة التي لابد من التحرك فيها ليسجل ملاحظة هنا واحتمالا هناك وتأملا في تلك الزاوية واقتراحا في زاوية أخرى ثم يحاول ان يخط خطا محيطا بدائرة هذا البحث الواسع ويقدمه كمجموعة منسجمة يلتقي اولها بآخرها.