بالك بمن يقصر الأحكام كلها على عصرها، ولا يعدّيها إلى سواه؟ معتبرا أنها تنزيلة نسبيّة إنسانية للمحتوى المطلق، مؤقّتة بوقتها، وعلى أهل كلِّ عصر أن يرموا جانبا ما أخذ من النص من أحكام، ليقدّموا بديلا عنها يعبّر عن عصرهم([11]). 2- العلاقة بين القراءة والفقه والقراءة تعني الفقه([12]) في السيّاق الإسلامي العامّ، ولا تعني التلاوة فقط، وإن كانت من معانيها اللغوية، لكننا وبعد الرجوع إلى استخداماتها في النصوص الإسلامية وجدناها (فقهاً)، ويستمر العمق الشرعي ليدلّ الفقه بدوره على استنباط الأحكام ومعرفتها من خلال النصّ الإسلامي، هذه الأحكام هي التي تغطي كلّ الاحتمالات السلوكية التي تصدر عن الإنسان، منفرداً أو مجتمعا. وإذا كانت القراءة منطلقا لعملية (الفقه)، فإن إرادة الفقه من خلالها إنّما أخذت من القاعدة اللغوية القائلة: (يطلق اللفظ على معناه الآن، وعلى مايمكن أن يؤول إليه، أو ما ينبغي أن يؤول إليه فيما بعد)، وما كانت القراءة، والدعوة إليها في النصّ الإسلامي، إلا من أجل أن تتحول إلى فقه وفهم عميق: (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (محمد/24). (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) (التوبة/122). ولن يتفقهوا إلا بعد المرور بمرحلة القراءة، التي هي الفقه باعتبار ماستكون، وفي هذه الكلمة (المصطلح) تتّحد الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية، لتشكل مفهوما واحداً ينعكس عن منطوق القراءة على سبيل الترادف بين القراءة في الشرع والقراءة في اللغة، فهما كالكلمتين المختلفتين باللفظ باعتبار اختلاف الوضع، إذ اللغة لها مصطلحاتها الصّرفة، وكذلك الشرع.