العقل العارف بالشريعة إجمالاً، وعلى هذا نفهم المقولة: (حيثما وجدت المصلحة فثمّ شرعُ الله) أي المصلحة المحقّقة للعدل الإلهي([8]). الذي يتقبله الإنسان بفطرته. 2- ظروف النص الأولى، أو (الضابط الظرفي) أي معرفة الظروف التي حفت بالنصوص، فالوقائع والأحداث التي كانت أسبابا للنزول القرآني، وورود الحديث النبوي، تحمل من القرائن ومن متقضيات الأَحوال، ما يكون ضروريا في فهم المراد الإلهي من النصوص التي وردت في شأنها، والتغافل عنها قد يكون مدعاة إلى صرف المعنى عن حقيقة المراد إلى ما يخالفه أو يناقضه، من أجل هذا كان ابن مسعود يعلن اختصاصه بمعرفة الظروف التي ألمّت بنزول النصوص، فكان يقول: (والذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت أية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت)([9]). ويتبع ذلك معرفة أحوال العرب وعاداتهم حال نزول النصّ، فإن النصوص نزلت على مقتضى هذه العادات والأحوال، فيتوقف فهم مرادها على فهمها([10]). وقد يُشكل على بعضهم فهم علاقة المعنى الذي يتضمنه النصُّ. بالسبب الذي نزل فيه. فيقع الميل إلى تخصيص الحكم بذلك السبب أحداثا وأشخاصا، وفهمه على أنه مقصور عليه. وهذه نزعة نلحظ لها رواجا اليوم لدى من يرمون المروق من مبدأ الاستمرارية في الهدي الديني، حيث جنحوا إلى تخصيص الكثير من أحكام الوحي بأسبابها الظرفية، لكن الحكمة الإلهية لم تجعل الأسباب مضمنة في النص القرآني (على وجه الخصوص). بل ظل النصُّ هذا مصوغا في قالب كلي عام، حتى يبقى ذلك العموم في البيان مفيدا للعموم في الأحكام، مطلقا عن قيود التشخيص في الزمان والمكان، ولذلك قال الأصوليون: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فما