لكن هذا الرأي يتعارض مع مواقف القائلين بأن الفقه الإسلامي قد غاض ماؤه، وذهبت نظارته، حين أصابه الجمود بسبب ما كانت تمر به الدولة الإسلامية من أخطار وأحداث مثل هجوم المغول وقيام الحروب الصليبية في المشرق. وممن تمسك بهذه النظرة في الحياة الحضارية بالمغرب وأثبت أنها سجلت تدهوراً لا تقدماً وخمولاً لا انتعاشاً د.أبو بكر زنبير([51])، والشيخ محمد الحجوي([52]). ويضيف البا حث إلى المقارنة بين الرأيين عناصر ثلاثة، أقام عليها رأيه، هي: 1ـ اعتبار أن عمل أهل المدينة الذي قال به الإمام مالك ودعمه لا يرتبط به العمل الإقليمي أصلاً، وإن ما نحن فيه يعبر عن نظرة جديدة لأن العمل الإقليمي غير معمول به في المشرق. وربما لم يعرفه المالكية هناك. والدلائل على هذا أنه لا خطر من الاتجاهات الحكمية الجديدة، فإنها كما سنرى تساير المذهب عند المالكية ولم تحدث في الأول اضطراباً أو خلافاً لأن غالب شيوخ المالكية كان عارفاً بأصول المذهب، مدركاً لطريقة إمامه في الاجتهاد، وفي العمل بما جرى عليه أهل المدينة في فتاواهم وإجماعاتهم وكذلك في أقوالهم ومواقفهم رغبة منهم في الاتساء بشيوخ المذهب، محيطين بما قرروه من ضوابط وأحكام. 2ـ عمل أهل الأمصار وأصحاب الأقاليم: هذه نظرية جديدة اعتمدها فقهاء المالكية في بلاد الأندلس والمغرب وبتونس والقيروان. حقيقتها عند اختلاف الآراء وتعدد الأقوال وتعقد المسائل ان يستبدل الفقهاء بذلك الالتزام بالقضاء أو الفتوى بأقوال المالكية كمالك وابن القاسم، فيتجاوزون تلك الصعوبات ولا يقفون أمام المغلقات من الصور والأمثلة لأنهم في مثل هذه الحال لا يمكن أن يظفروا بشيء من الحلول للمسائل المطروحة عليهم. وقد رأينا فقهاء المغاربة والأندلس يطبقون منهجاً مختاراً لم