وعمل أهل المدينة مقسم عند المالكية إلى قسمين: الأول من طريق النقل والحكاية. وهو الذي نقله الجمهور عن الجمهور، وآثرته الكافة من أحكامه، وعمل به عملاً لا يخفى، متواتراً من زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومتصلاً به. والقسم الثاني ما كان ثبوته عن طريق الاجتهاد والاستدلال. وهو دون القسم الأول. ومن ثم نفى عنه بعض المالكية وصف الحجية وأثبتوا له القدرة على الترجيح([46]). وقد يكون من المفيد أيضاً أن ننبه إلى مذهب بعض المالكية في تنويع عمل أهل المدينة أنواعاً ثلاثة: 1ـ الأول أن يجمعوا على أمر لم يخالفهم فيه أحد من الفقهاء من أهل المذهب وغيره. 2ـ أن يجمعوا على أمر، ولكن لا يوجد لهم فيه مخالف من غيرهم. 3ـ ما فيه خلاف عند أهل المدينة أنفسهم.([47]) ولتأكيد العمل بما كان عليه أهل المدينة نذكر رأيهم في ذلك. وهو دون شك وجيه. فهم يقولون: إذا اتفق أهل المدينة على شيء نقلاً أو عملاً مثلاً، كان هذا متواتراً فيحصل به العلم، وينقطع به العذر، ويجب ترك أخبار الآحاد له. وأكثر أهل العلم من غيرهم قائل به، غير متحمس له، وهو معمول به وليس بحجة. يبرهن به على عامة الناس ولا على المتقاضين والمستفتين من خاصتهم. ولا خطر مع ذلك فيما ذهب إليه المالكية قبل القرن الخامس. نظرية الأخذ بما جرى به العمل عند فقهاء الأندلس والمغرب هكذا عنون د. عبد السلام العسري الأستاذ بدار الحديث الحسنية بحثه القيم الذي نشره([48]). وهو في نظرنا يمكن أن يفك إلى محاور ثلاثة، هي كما دل عليه تفصيل الباحث: ـ نظرية عمل أهل الأمصار.