والقوانين الوضعية من عمل الإنسان يعتريها النقصان كما يعتريه، ويلتبس فيها الحق بالباطل، وتحتاج باطراد إلى التطوير والتغيير وقاية لجوهرها من الجور والظلم، ومن الهوى والشهوة ومن الضعف الإنساني. وإن شريعتنا لتعنى بأحوالنا كلها في الدارين، وتدعونا إلى الوحدانية، وإلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وقضائه وقدره والتصديق بالبعث يوم الحساب ليجزى كل امرء منّا بما فعل من خير وشر (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد).([1]) كما أن التشريع الإسلامي الذي حكم حياة الناس قروناً طويلة لم يضق بشيء من طلباتهم، رغم الغزوات والفتوحات الكثيرة وما نجم عنها، وساعدهم في عصور الازدهار على بناء حضارتهم الشامخة، واتسع فشمل كل التطورات والمتغيرات. فاستوعبها بحكمته ومرونته في كل الأصقاع التي دخلها، ومع كل الشعوب التي انتسبت إليه أو خضعت له. لم ين أبداً في التوجيه إلى الطريق الأقوم والمسلك الأرشد، كما أنه لم يتأخّر عن الاستجابة لمقتضيات التقدم الفكري والعلمي الذي اختاره الله لعباده، محققاً بذلك التوازن المثالي في المجتمعات، وقاضياً القضاء التام على كل ألوان الميز العنصري، وعلى الفوارق الجنسية والطبقية، حارساً حقوق الأُمة، وحريصاً على حسن سياستها بضمان الحق وإقامة العدل. وهذه الحقائق يتم الاهتداء إليها بعد خلوص العقيدة، والتمسك بأحكام الشريعة الغراء، بما يأمر به الكتاب، وتوجّه إليه السنة من مبادئ وأصول تبني عليها حياة الأفراد والناس جميعاً، وتقوم بها حضارتهم. وإنها في تقديري لنوعان: منها ما يرجع إلى ذات المؤمن وشخصيته، ومنها ما يمتد أثره، ويبلغ شأوه، بمراعاة التعاون والتعايش، وما يقضيان به من تساند وترابط وتكامل بين الناس.