إنها اكتشفت نفسها في حال من الاضطرار إلى ضرب من التفكير لم تتعوّد عليه وضرب من النظر لم تقف ولم تستعد لها. هو التفكير باعتبار آخر وبالنظر إليه معه أو ضده له أو عليه. استئناساً به أو نفوراً منه ثقة به أو ريبة في أمره. بدأت هذه الحضارة تسائل نفسها هل بالإمكان ان يتواصل وجودها على ما اكتنفته من الوثائق التقليدية التي عاشتها بالأمس بحيث تبقى حضارة على ما كانت عليه نظاماً من التصورات ومن المعتقدات والأفكار والرؤى التي تؤلف في حد ذاتها نسقاً من الإجابات المكتملة عن كل الأسئلة المعروضة في سفر الوجود. إنّ الوضع الذي آنت إليه حضارة اليوم هو وضع يتسم بعدم الكفاية والاكتفاء والحاجة المتأكدة إلى التعرف على الآخر بما يستوجبه ذلك من استبداعات غير المنتظره في الفكر وفي السلوك على حد سواء. لقد غيّرت ظاهرة العولمة لمفاهيم متعارفة واستبدلت مصطلحات متداولة من ذلك الحديث عن سيادة على الوطنية عوضاً عن السيادة الوطنية واستحضار مفهوم للهوية يقوم على الأخذ والعطاء وعلى الفعل والبناء بدلاً عن هوية الاكتفاء والانتفاع بدعوة الانتماء والاحتماء. من ذلك أيضاً الشعور بأن الحداثة أي المعاصرة صارت تسع علينا شئنا ام أبينا فهي تدخل بيوتنا وهي تتداول في أسواقنا وهي تؤكد بشكل أو بآخر في نسق حياتنا. بعد أن كنا نسعى إليها كلما أردنا وقصدنا فنتخيّر منها ما انتقينا ونغلق أبوابنا ونوافذنا وأسماعنا وأبصارنا وسائر حواسنا على ما فيها من غير رغائبنا واحتياجاتنا. وهنا تشفع لي محبتكم لتونس لأشير في خفض وفي عجلة إلى أنكم في ما آتيتموه من التفكير والتمحيص في هذه القضية الهامة، قضية العلاقة بين