الأصالة والمعاصرة إنّما كنتم تتنادون معرفة اخوانكم التونسيين في كسب هذه المعادلة دون التفريط في مقوم التجدد والأصالة. فتونس التي كانت عبر التاريخ رائداً حقيقياً في إثبات التراكم المعرفي الإنساني الحضاري باعتبارها نقطة التلاحم والتلاقي بين الشعوب والأديان ومركز التفاعل والتواصل بينها في حركة أخذ وعطاء لم تتوقف من ما اكسبها مخزوناً حضارياً ثرياً هيئها لإشاعة أُصول الفكر الحديث في إفريقيا وأوروبا وما وراء البحار وجعلها تتمثل ذاتها وتستوعب الوافد عليها بوعي ومسؤولية هي اليوم تتخذ خطاب الأصالة والمعاصرة منظومة فكر ووجود متكاملة لتجعل منها مقوّماً أساسياً للشخصية الوطنية المتجددة في عمقها الإسلامي الحاضر وفي وجودها القائم والمنطلقة إلى صناعة مستقبلها بديناميكية وانفتاح في آن. انها بقدر اعتزازها بأصالتها وانتمائها الحضاري بقدر سعيها إلى التفتح وحفظها على اعتراف بالاختلاف والتعدد وكسب أسباب المعاصرة، لذلك نُراها تنزل الإسلام المنزلة الرفيعة بالمشروع الحضاري الذي ارتكز في تأسيسه إلى المصارحة مع الذات والتأكيد على الهوية وهو ما ترجمته القيادة السياسية من خلال النهوض رسمياً بمسؤولية تأمين أسباب رفعة الدين والسهر على شؤونه وتيسير إقامة شعائره والأخذ بدعائمه. كل ذلك في إطار فهم عميق يؤسس للشخصية الحرة والمسؤولة القادرة على الجمع بين المقاصد النبيلة والفرائض الشريفة لهذا الدين الحنيف وما يعطيه الاجتهاد الخلاق فيها من إمكانات التلاؤم السليم مع الحياة ومستجدات العصر. إن تونس بجغرافيتها وتاريخها وانخراطها الدائب لمسيرة التحديث والمعاصرة لم تعرف الانغلاق على النفس أو الانكفاء على الذات بل ظلت على الدوام بوابة مفتوحة على العالم تنحت لنفسها كياناً مخصوصاً وثقافة متميزة أساسها التفتح والوسطية والاعتدال والاجتهاد والتجديد بما يحقق