والخروج عن السلطة الشرعية يعرف في الفقه الإسلامي (بالبغي). وحين ظهر البغي في عصر امير المؤمنين (عليه السلام)، لم تكن ثمة نصوص تقنن سبل مواجهته وتحدد ما ينبغي وما لا ينبغي على الحاكم الشرعي فعله إذا ما اضطر إلى مصادمة البغاة ومعسكرهم. ولذلك كان على الإمام علي (عليه السلام) وقد وجد نفسه وفق ملابسات تاريخية -ليس هنا محل سردها- مضطراً للمواجهة العسكرية مع (البغاة)، أن يستفرغ وسعه مجتهداً في ايجاد قوانين المواجهة مع هذه الطوائف المسلمة في الأساس؛ منطلقاً في اجتهاداته تلك من عموم النصوص ومن روح التعاليم الكلية للإسلام وبما تقتضيه المصلحة العليا للمجتمع الإسلامي.. فكان أن انقضت تلك المواجهات العسكرية مخلفة وراءها ذلك القدر العظيم من القوانين والأحكام التي تولدت عن اجتهادات الإمام علي (عليه السلام) وظهرت مطبقة خلال مراحل المواجهة وأهمها: أن الحاكم الشرعي لا يجوز له قتال الخارجين على سلطته من البغاة إلا بعد تحقق شروط ثلاثة: أولها: أن يروّج البغاة لأنفسهم على أساس أنهم على حق وأن الحاكم الشرعي على باطل. وثانيها: أن يبدأوا هم بالحرب أو أن يعتزموا شنها عليه أو أن يمتنعوا عن دفع ما عليهم من واجبات للدولة كالزكاة أو الخمس وغيرهما، أو أن يمنعوا السلطة من القيام بأي أمر يتوجب عليها القيام به لتحقيق مصلحة من مصالح المسلمين أو الحفاظ عليها. وثالث تلك الشروط: أن تكون لأولئك البغاة، أرضية حربية ينطلقون منها ويتحصنون بها إما مدينة أو حصناً أو عشيرةً تأتمر بأمرهم وتنتهي بنهيهم.. ووفق اجتهاد الإمام علي (عليه السلام) فإنه إذا تحققت تلك الشروط الثلاثة في أي جماعة منشقة داخل المجتمع الإسلامي. فقد جاز حينئذٍ للحاكم الشرعي أن