يجابههم بالحرب والمواجهة العسكرية وإذا بدأت المعركة فإن للمعركة أحكامها أيضاً كما تجلت في اجتهادات وتطبيقات الإمام (عليه السلام)، ومنها أنه: أ) لا يجوز لجيش السلطة الشرعية أن يبدأ جيش البغاة بالقتال حتى يبدءوا هم. ب) لا يجوز في حق البغاة قتل الجريح منهم ولا المدبر. ج) لا يجوز سبي أو استرقاق ذكورهم او اناثهم أو اطفالهم. د) لا يجوز اغتنام أموالهم إلا ما كان من أدوات القتال كما لا تجوز استباحة مدن أو قرى تحصنوا فيها. كل تلك الأحكام وغيرها معروف أنها لم يرد بشأنها نصٌ قرآني أو نبوي، بل كانت محض اجتهادات للامام علي (عليه السلام) انطلق في تقريرها مما استوحاه من عموم النصوص ثم من ادراكه العميق للمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية ووعيه الكامل بفقه درء المفاسد وجلب المصالح. وبهذا اكتسبت تلك الأحكام/ الاجتهادات شرعيتها واحتلّت موقعها المهم في سياق فقه الإسلام السياسي والعسكري مجمعةً عليها الأمة ولذلك روي عن الإمام الشافعي قوله: (إن أحكام البغاة لم تعرف إلا من سيرة علي). * * * ذلك شاهدٌ تاريخي على دور الاجتهاد في التجديد والاضافة إلى التشريعات الإسلامية وإنّما اقتصرنا على عرض هذا الشاهد ـ فقط، لكونه بنظرنا ـ من بين أولى نماذج الاجتهادات التي ظهرت في التاريخ الإسلامي مما لم يكن في موضوعها أي نص بمعنى أنها اجتهادات في مساحة شاغرة تماماً وذلك بعكس عددٍ من الاجتهادات التي سبقتها في عصر الصحابة والتي كانت جميعها تندرج في خانة التأويل أو القياس وهما حالتان أضيق من الاجتهاد إذ أنهما تتحركان داخل نص معين أو أكثر