وتمتد مساحة الاجتهاد أيضاً إلى ملابسات رواية النص في حال ما إذا كان النص نبوياً(حديثاً) وذلك من خلال (منهج الجرح والتعديل) الذي من خلال معاييره تتم عملية الكشف عن قيمة الحديث - من حيث سنده - في ميزان الصحة أو عدمها وهو (الجرح والتعديل) موضع من مواضع الاجتهاد بالضرورة كما قرر ذلك جل علماء الحديث قدماء ومتأخرين ولذلك كان على الفقيه إذا أراد إعمال أي نص نبوي أن لا يكتفي بالتوقف عند تصحيح غيره لذلك النص بل عليه أن يجتهد في عملية الكشف عن حال راوي أو رواة الحديث حتى يصل إلى حكم ظني خاص به. قال الزركشي في شرحه لعلوم الحديث لابن الصلاح. (وأئمة الحديث مختلفون في الأكثر فبعضهم يوثق الرجل (الراوي) إلى الغاية وبعضهم يوهنه إلى الغاية؛ ثم قال: قال الترمذي أختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا فيما سوى ذلك من العلم.. فلا تجعل قول أحمد وإن كان إمام هذا الشأن حجة على مالك والبخاري ومسلم وغيرهم كما لا يكون قول بعض الأئمة حجة على بعض في المسائل الاجتهادية لأن في الجرح والتعديل ضرباً من الاجتهاد). وقال صاحب العواصم: (تصحيح الحديث ظني اجتهادي). كما صرح الحاكم في آخر كتابه الذي جمعه في الضعفاء بالقول: ( فهؤلاء الذين ذكرتهم قد ظهر عندي تجريحهم لأن الجرح لا استحلَّه تقليداً).. ولعلامة الزيدية الكبير محمد بن علي الشرفي في مقدمة شرحه لخصائص أمير المؤمنين للإمام النسائي ـ كتاب مخطوط ـ كلام موفق في القضية حين قال: (والحق أن المجتهد لا يعد مجتهداً مع التقليد في التجريح والتوثيق والتضعيف والتصحيح كما قرره المحققون وإلا كان من باب بناء الاجتهاد على التقليد). ويقصد أن المجتهد إذا قام باستنباط حكم شرعي من حديث، إعتمد في صحته على تصحيح من سبقه من المحدثين. فإنه بهذا الإعتماد يكون مقلداً وحينئذ يكون اجتهاده مبنياً على تقليد وذلك ما لا يستقيم..