وعلى نحو قريب مما ذهب إليه الإمام الخميني في طرحه هذا الذي يأتي في سياق تأصيله لنظرية ( ولاية الفقيه)..تأتي النظرية السياسية عند الزيدية واشتراط أئمتهم (عليهم السلام) في من يرشح نفسه للإمامة، كمنصب (سياسي) أن يكون مجتهداً وعالماً بأحوال أهل زمانه ومكانه.. وقد قدّمت الزيدية عند التطبيق لهذا الشرط ضمن النظرية الكلية للإمامة، تجربةً رائدة استمرت طيلة قرون في بلاد اليمن وخارجها حكم خلالها العشرات من الأئمة المجتهدين الذين خلفوا وراءهم تجربة سياسية ثرية وتراثاً فكرياً وفقهياً هائلاً ناقش كل قضايا ومستجدات كل حقب تلك العصور. * * * وهكذا نلحظ أن تنظيرات الأصوليين لعملية الاجتهاد، تتساوق مع الغاية الكبرى لهذا المفهوم الإسلامي الذي في ظلّ انتقاله من الحالة النظرية إلى الواقع التطبيقي، تتحقق واقعية الفقه الإسلامي وتسقط بالتالي مقولات (تاريخية النص) أو ( جموده) خصوصاً وأن المساحة المسموح للإجتهاد أن يتحرك فيها هي مساحة واسعة لا تنحسر بوجود النص إلا في حالات ضيقة. ذلك أن وجود النص على الإطلاق لا يعني إلغاء الإجتهاد، فالنص حسبما يقر الأصوليون إما أن يكون: 1- ظني الثبوت، فيجب حينئذ الاجتهاد في ثبوته. 2- ظني الدلالة، فيجب أيضاً الاجتهاد في دلالته. 3- ظني الدلالة والثبوت، فيجب الاجتهاد في الأمرين. 4- قطعي الثبوت والدلالة، وهذا النوع الوحيد من أنواع النص هو مالا يصح الاجتهاد معه بإجماع المسلمين. أما ما تناهت النصوص إليه، والنصوص فعلاً تتناهى والأحداث تتوالى.. فيؤخذ في ذلك بما فيه مصلحة الأمة، فالشريعة جاءت بكليات وأصول وقواعد كلها تخدم الإنسان، وتخدم مصلحة الإنسان. وبهذا ابيح لنا ان نضع القوانين كلها فيما لا نص فيه انطلاقاً من المصلحة وحيثما تحققت المصلحة فثم شرع الله.