غير أنه إذا كان أمكن لذلك المذهب أن ينجح في التطبيق ويزيح الكنيسة عن الفعل في الحياة الأوروبية.. فإنه لن يكتب له النجاح في الواقع الإسلامي بشرط التفات علماء المسلمين إلى واقع الفقه الإسلامي وسرعة العمل على تجسير الفجوة بينه وبين العصر بتجلياته المختلفة وذلك من خلال بعث الحركة الاجتهادية إذ أن الاجتهاد هو عنصرٌ أساس في جملة العناصر التي تمنح الفقه الإسلامي حيويته وتجدده وقدرته على استيعاب طوارئ الأزمنة والأمكنة في أي حقل كانت.. فالاجتهاد حسب اصطلاح الاصوليين: هو استفراغ الوسع في استنباط حكم شرعي ظني في أي مسألة من المسائل مستجدة كانت أو محل خلاف.. وهذا التعريف يعني في النهاية أن الاجتهاد عملية فكرية تهدف إلى إيجاد حالة من التواصل الدائم بين التصور الإسلامي كما هو في المصادر الرئيسة للتشريع وبين الواقع. وحين يتحرك الاجتهاد بمفهومه هذا، تتولد عن حركته حركة مماثلة في الفقه الإسلامي تدفع بعمليته التقنينية إلى آخر نقطة وصلت إليها حركة الواقع، وهذا هو معنى التجديد المنشود في الفقه الإسلامي أي أن التجديد المقصود هنا ليس اعادة إنتاج مسائل الفقه القديم ذاتها بل تجديد الحياة في شرايين الفقه الإسلامي بشكل عام بما يضمن عودته إلى حكم مختلف الشئون الحياتية للمسلمين في هذا العصر وكل العصور اللاحقة. ولما كان هذا هو دور (الاجتهاد) فإن الاصوليين من علماء المسلمين الأوائل أولوه اهتماماً كبيراً، وبمقتضاه وضعوا عددا من التنظيرات والتأصيلات التي روعيت في جميعها مهمة الاجتهاد التجديدية ودوره الإحيائي ويمكن ملاحظة ذلك من خلال نماذج من تلك التأصيلات: 1- منع جواز أن يخلو عصر من العصور من مجتهد أو أكثر ( تحدثنا عن ذلك). 2- أن كل مجتهد في المسائل الفرعية الظنية مصيب حسبما يذهب إليه الزيدية وبعض الحنفية وأبو الحسن الأشعري والقاضي عبد الجبار وأبو عبد الله البصري والباقلاني وغيرهم.