الوحي والتحاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى، انتقل إلى موقع (الضرورة) والوجوب وذلك ضماناً لاستمرار وحيوية التشريعات والقوانين الإسلامية واحتوائها لكافة المتغيرات والطوارئ. ولذلك فإن طائفة كبيرة من فقهاء الأُصول كأئمة الزيدية والمعتزلة والحنابلة حين أخذوا في التنظير (للاجتهاد) ذهبوا إلى القول بأنه لا يجوز أن يخلو عصرٌ من العصور من مجتهد أو أكثر حتى لا تتوقف الفتوى ويدخل بذلك الفقه الإسلامي في حالة من الجمود والركود. الاجتهاد والتجديد لعله من نافلة القول التذكير بأن تجميد الحركة الاجتهادية في فترة من فترات التاريخ الإسلامي نشأ عنه ركود فقهي طويل أدى في النهاية إلى خلق هوة واسعة بين الفقه الإسلامي وبين واقع المسلمين في العصور التي تلت تلك الفترة وحتى اليوم.. وهو ما أعطى للقوانين الوضعية والتشريعات البشرية الفرصة للانتعاش ومن ثم التمدد داخل مجتمعات المسلمين مصحوبة - وهنا الامر الأهم - بعدد من التنظيرات المنحرفة التي ما كان لها أن تتسرب إلى اعماق بعض النخب الإسلامية المثقفة لولا تراخي الفقه الإسلامي بفعل اغلاق باب الاجتهاد عن مواكبة المتغيرات (العلمية والسياسية والاقتصادية و..الخ) لا سيما منها تلك التي تسارعت منذ عصر النهضة الأوروبية وبلغت -ربما- ذروتها في التاريخ المعاصر.. وهي المتغيرات التي شكلت بمجملها تحدياً كبيراً لنظرية (صلاحية التشريعات الإسلامية لكل المجتمعات وفي كل العصور) ومن هنا جاء تبني بعض مثقفي ما يسمى (بالتنوير) في بلدان المسلمين لنظرية (تاريخية النص الديني) وهي نظرية تقتضي تعطيل النصوص الشرعية بزعم أنها نصوص محكومة في ملابسات نشوئها بظروف تاريخية واجتماعية تجاوزها الواقع بتطوره والتاريخ بحركته.. والمعروف أن ( التاريخية) مذهب فلسفي نشأ في عصور أوروبا القروسطية ضمن حركات الفكر المتصدية لواقع النفوذ الكنسي آنذاك..