مصدره بل هي في وجهها الآخر مظهرٌ من مظاهر حكمة المشرع الإسلامي الذي حسم بنصوص نهائية تصوراته المتصلة بالجوانب الثابتة في حياة الإنسان والمتمثلة في جانب العقيدة والإيمان وشعائر العبادات بينما اكتفى بترك الجانب المتغير في الشئون الحياتية الأخرى تحت خطوط عريضة تراعي قوانين الحركة التاريخية وما يتولد عنها من تطور في المفاهيم والأفكار.. ليسمح بذلك للإبداع الإنساني بالتحرك لملئ تلك المساحات الشاغرة وبما لا يتناقض أو يتصادم مع تلك الخطوط. وهذه الخطوط العريضة هي ما تتأسس عليها نظرية ( قابلية النص الإسلامي لاستيعاب المتغيرات وقدرته على التعامل معها وتقنينها) وهي النظرية التي تحمل الإجابة عن السؤال السالف كما تحمل داخلها المقتضى الأساس لمسلمتي: واقعية الدين الإسلامي وخلوده.. وإذا كانت حكمة المشرع الإسلامي اقتضت ان يكون النص الإسلامي ذا قابلية لاستيعاب المتغيرات والمستجدات داخل العصور المختلفة. فإن ذلك يقتضي بالضرورة وجود آليات شرعية يتم من خلالها تحويل (قابلية النص) النظرية إلى فعل متحقق.. وهنا يبرز مفهوم الاجتهاد باعتباره واحداً من أهم تلك الآليات إن لم يكن أهمها على الإطلاق. هذا من الناحية العقلية. أما من الناحية النقلية، فإن الأدلة على مشروعية الاجتهاد، قائمة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة وعمل الصحابة ومن بعدهم. وقد ادرج علماء الأُصول باب الإجتهاد ومباحثه ضمن ابوب اصول الفقه وذكروا مسائله وشروطه وغير ذلك، وهنا نذكر بعض الادلة على مشروعيته: (1) من الكتاب العزيز: قال تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله). - فالآية تتضمن إقرار الاجتهاد عن طريق القياس وغيره.