المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة التي هي ظل الله في ارضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والتشريع إنما وضع ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من القضايا التي تدور عليها حركة حياتهم، مندداً بالإختلاف وسوء عاقبته، ولم يكن في نصوص الإسلام إلا التوجيه في حكم ما هو واقع ونافع من أمور دينهم ودنياهم مانعة من السؤال فيما لا وقوع له. وفق الله الجميع للقول الفصل فيما دعينا من أجله، واسمحوا لي مع إغماضكم عن التقصير والقصور بتقديم مساهمتي في المطلوب. مشروعية الاجتهاد يجدر بنا أن نحدد أولاً الموقع الذي يحتله مفهوم الاجتهاد داخل البنية الفلسفية التي تتأسس عليها جملة التصورات والنظم الإسلامية المختلفة ثم تقرير مشروعية احتلاله لذلك الموقع من خلال استعراض الأدلّة النصية على ذلك. وتحديد ذلك الموقع يمكن الوصول إليه بسهولة بعد الوقوف عند هاتين المسلَّمتين: أولاً: إنّ الإسلام دين واقعي.. أي أنه دين يعيش الواقع ويتحرك داخل تفاصيله موجها ومقيماً ومصححاً.. ثانياً: إنّ الإسلام بما هو الدين الخاتم فإن ذلك يعني أنه دين الخلود والإستمرار الذي يجب أن يصاحب مسيرة البشرية إلى ختامها. وهاتان الخاصتان من خصائص الدين الإسلامي يتولد عن التسليم بهما سؤال جوهري عن فُرص تحقق الواقعية الإسلامية بعد انقطاع الوحي وفي ظل الحركة الحتمية للواقع المتغير باطراد؟ وبالتالي عن فرصة (الخلود الإسلامي) داخل هذه الحركة؟ وتزداد أهمية هذا السؤال بالنظر إلى حقيقة أن النص الإسلامي في جانبه التشريعي، ترك مساحات شاغرة داخل عدد من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه حقيقة لا تمثل مساساً بقدسية النص الإسلامي أو بقدسية