وقد قسم الراغب الأصفهاني في كتابه »الذريعة« العقول إلى قسمين: الأول: عقل غريزي وهو القوة المتهيئة لقبول العلوم، وهذا العقل موجود في الطفل الصغير كوجود النخلة في النواة. الثاني: عقل مستفاد، وهو القوة المكتسبة من التجارب الدنيوية والمعارف الكسبية وأحيانا تضاف إليها المعارف الإلهية المكتسبة من العلوم الأخروية، والعقل المستفاد من التجارب يرتبط باجتهاد العبد في تحصيل العلوم والمعارف، وشبهوا العقل الغريزي بالنسبة للنفس كالبصر للجسد، كما شبهوا العقل الكسبي بالنور الذي يمكن الإنسان من الرؤية والإپصار، وهذا مايسمى بالبصيرة التي لا يغنى عنها البصر الغريزي. ولابد لإثراء الفكر من المعرفة العقلية الاكتسابية التي تنمو بقوة البصيرة العقلية التي تشع دائرة عطائها بحسب قدرات الإنسان ومعارفه التي تحتاج إلى جهد متواصل. والموروث الثقافي هو أحد العوامل المؤثرة في إغناء العقل الكسبي بما يوفره من صقل المواهب الذاتية وتنمية القدرات الفردية، وهذا كله يؤدي إلى تكوين ذلك التفاعل الحتمي بين القديم الذي يمثله ذلك الإرث الثقافي المتسع الآفاق وبين الجديد الذي يجسده ويعبر عنه العقل البشري. والإنسان المعاصر بقوته العقلية هو وليد ذلك التمازج بين القديم والحديث وبين الموروث الذي يمثل الأصالة والمكونات التربوية والبيئية والقيمية التي تؤكد انتمائه لعصره وتأثره بقضايا هذا العصر وفكره وثقافته. حتمية التجديد والتجديد أمر حتمي ولا يملك الإنسان تجاهل انتمائه لعصره، وتأثره الفكري بما يجري حوله، والتجديد هو توفير ظروف الاستمرارية للفكر لكي يؤدي دوره في التوعية والتنوير، لكي يكون الفكر فاعلا ومؤثرا في حركة المجتمع وفي اختياراته