المجتهد على مصاديقها وتفاصيلها وجزئياتها التي تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر. ويصح اطلاق مصطلح (منطقة الفراغ التشريعي ) على الموضوعات الخارجية والمصاديق العملية التي بحاجة إلى استنباط حكم لها، لانّ الشريعة لم تتطرق إلى الامور المستقبلية الكائنة، ولم تتطرق إلى التفاصيل والفروع والقضايا الخاصة، ولم تتطرق إلى التطورات العلمية والتقنية، لانها غير موجودة في عصر النص والتشريع، وهذه الامور لم تترك بدون قواعد. فقد أعطت الشريعة لولى الأمر صلاحية إملاء منطقة الفراغ بالاعتماد على الاسس والقواعد والاصول العامة والكلية، والاملاء لم يكن إلا التطبيق على المصاديق وعلي الفروع والجزئيات. وتشمل منطقة الفراغ التشريعي كل مباح لم يرد فيه نصّ يدل على حرمته أو وجوبه، فهو متروك لولي الأمر يحكم فيه حسب المصلحة الآنية والمستقبلية، وطبقاً للثوابت الإسلامية، فلا تكون صلاحياته مطلقة. ولزيادة الدقة في التوضيح نتوجه إلى رأى السيد الشهيد محمد باقر الصدر حيث يقول: (و لا تدل منطقة الفراغ على النقص في الصورة التشريعية، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبّر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة؛ لانّ الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذى يعني نقصاً أو اهمالاً، وإنّما حددت للمنطقة أحكامها بمنح كل حادثة صفتها التشريعية الأصلية مع اعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعية ثانوية حسب الظروف، فاحياء الفرد للأرض صلاحية مثلاً عملية مباحة تشريعياً بطبيعتها، ولولى الأمر حقّ المنع عن ممارستها وفقاً لمقتضيات الظروف).(55) والفكرة الاساسية لمنطقة الفراغ هذه تقوم على أساس: ( أنّ الإسلام لا يقدم مبادئه التشريعية للحياة الاقتصادية.(56) بوصفها علاجاً موقوتاً، أو تنظيماً مرحلياً، يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من اشكال التنظيم؛ وإنّما يقدمها باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور، فكان لابد لإعطاء الصورة هذا