وبانتهاء القرن الثالث الهجري وحلول القرن الرابع ضعف مركز الاجتهاد، ولم يسمع صوت قوى كأصوات الأئمة الأربعة ومن هم في درجتهم في الأوساط العلمية، وقد أغلق باب الاجتهاد المطلق بعد وفاة محمد بن جرير الطبري عام 310 هـ ولم يقم أحد به، وقد حصل ان بنيت المدارس لتدريس المذاهب الأربعة وأغدقت الأموال على معتنقيها من العلماء، مما صرف أنظار طلاب العلم عن غيرها وأمات فيهم ملكة الاجتهاد، بل وصل الأمر إلى حد انّ المستعصم العباسي أمر أساتذة المدرسة المستنصرية ببغداد ان لا يتعدوا حدود كلام المشايخ السابقين.(26) وبالتدريج انحسر الاجتهاد وتوسع التقليد خلافاً لتوجهات الأئمة الأربعة فهم نهوا الآخرين عن تقليدهم وأمروا – إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوي من قولهم – ان يأخذوا بما دلّ عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم.(27) ومن أساب غلق باب الاجتهاد: 1 – الركون إلى آراء أئمة المذاهب الأربعة والاستغناء عن البحث. 2 – ضعف الثقة بالنفس والتهيب من الاجتهاد. 3 – ادعاء الاجتهاد ممن ليسوا أهلاً له، فأفتوا بسدّ باب الاجتهاد.(28) ووصف الشوكاني حال المقلّدين قائلاً: (فإذا تكلم عالم من علماء الاجتهاد بشيء يخالف ما يعتقدونه قاموا عليه قومة جاهلية).(29) وانحسار أو ضعف حركة الاجتهاد حالة طارئة مخالفة لروح الشريعة الإسلامية، ومخالفة لسيرة أئمة المذاهب، ومخالفة للعقل والمنطق، ولهذا بدأت الحاجة إلى الاجتهاد تفرض نفسها على الواقع وتوجه العقول والأنظار إلى اعادة هذه الضرورة للواقع المنظور الذي يرفض الجمود والتحجر. ويرى أحمد أمين: انّ سد باب الاجتهاد لم يكن بناءً على مجلس اجتمع فيه الفقهاء وقرروا فيه أقفال باب الاجتهاد؛ إنّما كان شعوراً عاماً بالضعف والنقص ونوعاً من التقديس للفقهاء السابقين، وبدأ عصر التحجر… وأصبح أصحاب المذاهب