الفقهية في العراق والإفتاء فيما لم يقع، ولم يوجد ذلك النوع في الحجاز لانّ الأساس كان المصلحة؛ وهى لا تتحقق إلا في الوقائع فلا يأتي فيها الفرض والتقدير.(23) وقد توسع الاجتهاد ووصل إلى أوج توسعه في عصر أئمة المذاهب عند مدرسة المسلمين السنة. وأما عند مدرسة المسلمين الشيعة فانّ بدايات ظهور الاجتهاد وكيفية معالجة الأحاديث واستعمال القواعد والأصول، قد ظهر في عصر الأئمة وبإرشاد وتوجيه منهم، وذلك في كيفية استنباط الحكم الشرعي مباشرة من القرآن الكريم، أو في التوسعة على الناس بالبراءة من التكليف المحتمل فيما لم يرد فيه بيان من الشارع، وفى جريان الاستصحاب في الموضوعات التي لها حالات سابقة متيقنة ويشك المكلف فيها بعد ذلك. كما وردت توجيهات خاصة من أئمة أهل البيت (عليه السلام) بمعالجة ما يردهم من أحاديث متعارضة من حيث المدلول. إلا انّ الاجتهاد عند الشيعة كمدرسة ذات ملامح واضحة لم يظهر إلا بعد غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، حيث مسّت الحاجة إلى ذلك.(24) وقد بيّن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ضرورة البحث وبذل الوسع للوصول إلى الحكم الشرعي من أصوله، وتشجيعاً للاجتهاد، فقال: (علينا إلقاء الأُصول إليكم وعليكم التفرّع).(25) ولا زال الاجتهاد العلامة الفارقة بين الشيعة وغيرهم فلا زال بابه مفتوحاً ضمن الأُصول التي وضعها أو حددّها أئمة أهل البيت (عليه السلام) الذين اخذوا العلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبعد عصر الأئمة (مالك، أبو حنيفة، الشافعي، أحمد) تطور الاجتهاد ولكن لم يتجاوز آراء هم وبقى الاجتهاد محدوداً بحدود أصول وأساسيات المذهب باستثناء اجتهاد بعض الفقهاء المطلق وهم لا يتجاوزون أصابع اليد، وبالتدريج ضعفت حركة الاجتهاد.