ابتكار، بحيث يرجع الإنسان بنفسه الفرع إلى الأصل، وهذا هو المجتهد الواقعي في كل علم. سواء كان في الأدب أم الفلسفة أم المنطق والفقه والأصول وحتى الفيزياء والرياضيات([28]). ويتفق مع هذه الرؤية للاجتهاد ما تحدد في الفقه الإسلامي الشيعي من أحكام وتشريعات؛ مثل عدم جواز تقليد الميت ابتداءً، على رأي المشهور، وشرطية جواز البقاء على تقليد الميت برخصة من مجتهد حي، وإذا عدل عن المجتهد الميت إلى الحي لا يجوز له الرجوع بعد ذلك إلى الميت. ذلك لان الاجتهاد هو منهج الإسلام العلمي في تطبيق الشريعة على واقع الحياة، وتنزيل الثوابت على المتغيرات، وربط المتغيرات بالثوابت، وتطبيق الأُصول على الفروع، وإرجاع الفروع إلى الأُصول، في علاقة منهجية منضبطة ومتوازنة من جهة المنهج، وفي علاقة دائمة ومتحركة من جهة الواقع. والمقولة التي اشتهرت في الادبيات الإسلامية المعاصرة، بان الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، هذه المقولة الصادقة والبالغة الأهمية هي التي جاء الاجتهاد كمنهج علمي لتحقيقها. كما إنها المقولة التي تدافع عن فكرة المعاصرة في الفكر الإسلامي. المعاصرة التي تعني ان الشريعة لها من القدرة المعرفية والمنهجية ما يؤهلها لأن تطبق في كل عصر بحسب شروطه ومقتضياته، ووفق منهج الاجتهاد الذي يحمي الشريعة من ان تصاب بالجمود والتوقف. لا شك ان هذه الدلالات تعطي قيمة متعاظمة لمفهوم الاجتهاد، وتؤكد الحاجة إليه في هذا العصر، فالاجتهاد هو ثورة في التفكير ودعوة للتقدم. واخيراً لست بصدد خلق ثنائية جديدة إلى جانب الثنائيات القلقة والسجالية في الخطابات العربية والاسلامية المعاصرة، وهي ثنائية الحداثة والاجتهاد. وإنّما قصدت اعادة الاعتبار لمفهوم لا يقل قيمة وفاعلية عن مفهوم الحداثة. ووجه العلاقة المفترضة بينهما في اتجاهها العام، هو النظر إلى الحداثة باعتبارها تمثل تجربة الغرب في التقدم والتمدن، والاجتهاد يمثل منهج النظر للتجربة الإسلامية في التقدم والتمدن.