وفي نطاق الفكر الإسلامي الشيعي يميز الشيخ “محمد مهدي شمس الدين” بين نمطين من المرجعيات الدينية، وبحسب اصطلاحه، فهناك مرجع في الشريعة، ومرجع في الدين. الأول له قدرة استنباط الحكم الشرعي والثاني يجمع إلى جانب تلك القدرة، معرفة المفاهيم، وهذه المرجعية في المفاهيم تحتاج إلى مستوى من الاحاطة والعمق والشمولية تتجاوز كفاءات الفقيه([25]). وكانت للسيد “عباس المدرسي” محاولة لتحديد منهج للاجتهاد خاص بالثقافة الإسلامية، على خلفية ان الإسلام كما يقول “نسيج متكامل، تنتظم أصوله الفروع وتترتب فروعه على الأُصول في منظومة متفاعلة، ولكي نتعرف على هذه المنظومة لابد ان ندرسها ككل، ومن خلال معرفة الأُصول الثقافية، ثم الفروع المترتبة عليها. ولا يكفي ان نعرف الأجزاء بصورة منفصلة، بل يجب التعرف على المنظومة الثقافية، في ترتيبها الحي والمتفاعل”([26]). الاجتهاد، دلالات ومكونات الاجتهاد اذن هو المفهوم الذي ينتسب إلى الحضارة الإسلامية، ويقارب مفهوم الحداثة الذي ينتسب إلى الحضارة الغربية. وهو بحاجة إلى إعادة اعتبار وإحياء جديد لينهض بوظيفته النقدية والتأصيلية والتجديدية. ومن مكونات هذا المفهوم ودلالاته وعناصره: أولاً: إعطاء العقل أقصى درجات الفاعلية باستفراغ الوسع وبذل ارفع مستويات الجهد الفكري والعلمي والبحثي في مجال دراسة الأفكار والمفاهيم والنظريات والأحكام، وبالشكل الذي من المفترض ان يحقق قدراً من الاكتشاف والابتكار والتجديد. وهذا ما يدل عليه أو ما نستفيده من المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة الاجتهاد. فالاجتهاد لا يصدق دلالة ومضموناً إلا بعد استكمال شرائط البحث وأعمال النظر بالطرائق والأدوات المنهجية بما يوفر الإحاطة التامة قدر الإمكان، وبما يوفر الاطمئنان النفسي والعلمي والمنهجي.