أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً * فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون)([23]). فالقرآن الكريم نهض بالفكر البشري ودفع الإنسان نحو التفكير العلمي وامتلاك ناصية العلم، ولولا ذلك لتأخرت مسيرة الفكر البشري في اكتشاف آفاق الكون والسيطرة على عالم الطبيعة. والاجتهاد كما هو منهج في النظر والتعامل مع العلم والبحث العلمي، هو أيضاً منهج في التطبيق وفي التعامل مع الواقع والزمن، وتحصيل اعلى درجات المعرفة بشروط العصر ومكوناته ومقتضياته. هذا عن الاجتهاد بالمنظور المعرفي الإسلامي العام، اما الاجتهاد بالمفهوم الخاص فهو يصدق على شريحة من المجتهدين المتخصصين بحقل الفقه والشريعة لتنظيم سلوكيات الإنسان الدينية والعبادية. فالاسلام لا يجيز للانسان ان يخوض في أمور الدين بتساهل أو بأي طريقة كانت، وإنّما الزم ذلك بقواعد صارمة ومواصفات عالية وبمنهج شديد الانضباط نفسياً وعلمياً ومنهجياً. بالشكل الذي يحقق مفهوم الاجتهاد في هذا الشأن. وحسب تقسيم “عمر عبيد حسنة” فهو يميز بين نمطين من الاجتهاد، اجتهاد فكري واجتهاد فقهي، وعلى الرغم كما يقول “من أن الاجتهاد بأشكاله هو فقهي بالمصطلح العام للفقه، وفكري أيضاً لأنه جاء ثمرة التفكير وإعمال النظر، فان هذا التقسيم الفني يمكن ان يساهم بتحريك قضية الاجتهاد ويخفف من عقدة الخوف التي تحتل نفوسنا وتشل حركتنا الذهنية. فالاجتهاد الفقهي هو استنباط الاحكام الشرعية من ادلتها التفصيلية في الكتاب والسنة في ضوء مراتب الحكم الشرعي بالكيفية المعروفة عند أهل الاختصاص، مع ضرورة اعادة النظر في الشروط التي وضعت لأهلية الاجتهاد. اما الاجتهاد الفكري فهو الساحة التي تسع المسلمين جميعاً، وذلك بعد ان تتوفر لكل واحد منهم مرجعية شرعية ورؤية إسلامية شاملة للحياة”([24]).