بصوره كافة. هذه العناصر وغيرها هي من أكثر العناصر ضبطاً للتفكير العلمي وجميعها من مكونات مفهوم الاجتهاد. ولعل في تطور علاقة الفكر البشري تاريخياً بعالم الكون والطبيعة يعد شاهداً على تلك الحقيقة، فقد تراوحت هذه العلاقة لزمن طويل بين موقفين مضطربين وجامدين، موقف الرهبة والخشية من عالم الطبيعة، وصل بأصحاب هذا الموقف إلى عبادة بعض الظواهر الكونية مثل الشمس والقمر والنجوم وغيرها، وموقف الذين اعتقدوا ان حياة الإنسان تتأثر بتدبيرات عالم الافلاك التي تسيرها حسب هذا الزعم قوى خفية لها قدرة خارقة، إلى ان جاء القرآن الكريم فحرر الفكر البشري من هذه الخرافات والاعتقادات الباطلة ومن القيود والاغلال التي تعطل دور العقل وتشل الفكر وتكبح المعرفة “ليضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم”([20]). فالقرآن الكريم حرض الإنسان على النظر إلى عالم الكون والطبيعة بعيداً عن الرهبة والخشية؛ واكتشاف الآفاق وامتلاك ناصية العلم والمعرفة كوسيلة لتحرير الفكر البشري من تلك الخرافات والاساطير. (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الارض كيف سطحت)([21]). (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)([22])، ولقد جسد نبي الله إبراهيم(ع) هذا الموقف امام قومه ليحرضهم على التفكير واعمال العقل، قال تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين. فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين * وحاجّه قومه قال أتحاجّونّي في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا ان يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً