الجمود. وهذا ما حدث مع منظومة المفاهيم الإسلامية، ومنها مفهوم الاجتهاد الذي تقلصت منه الفاعلية وانطفأت منه شعلة الحيوية وتوقف فيه النبض، ولم يعد يستوقف الاهتمام في دلالاته وعناصره ومكوناته. والاجتهاد في جوهره وفلسفته هو بمثابة النظام المعرفي الذي يربط الدين بالدنيا، ويؤسس علاقة الشريعة بالحياة والفقه بالواقع والزمن والعصر. هذا النظام المعرفي تبلور في علم هو من أبرز ثمرات العقل الإسلامي الخالص في عصور إبداعه وتقدمه. وعلم أصول الفقه الذي أخذ كما يقول (أبو حامد الغزالي) من صفوة الشرع والعقل سواء السبيل، واعتبره الدكتور (طه جابر العلواني) بأنه يمثل فلسفة الإسلام. وهو يماثل ما كان عند اليونان من علم المنطق، وما لدى الأوروبيين في العصر الحديث من فلسفة القانون. وهو العلم الذي التقت فيه خبرات العلوم الإسلامية، بتنوع حقولها وميادينها إلى جانب علوم اللغة العربية والمنطق والفلسفة. لذلك يمكن وصفه بالعلم الذي يمثل فلسفة الإسلام. وكان يفترض في اصول الفقه ان يكون منهج البحث الإسلامي في كل ما يرتبط بالاسلام من معارف وعلوم وقضايا ومفاهيم وبكل ما يتصل بعلاقة الدين بالحياة والحضارة، وهكذا في مختلف ميادين المعرفة الانسانية والاجتماعية، أو ان يكون وثيق العلاقة بها، لا أن يقتصر ويتضيق بمجالات ومعارف محدودة. كما ان الاجتهاد هو أيضاً نظام معرفي ومنهج للتفكير والنظر الإسلامي بالمعنى الأعم والأشمل، يفترض ان يمارسه ويحكمه الإنسان المسلم والمثقف والمفكر والفقيه المسلم في علاقاته بالعلم والفكر والمعرفة، كسباً وعطاء وابداعاً. فالدين يحرض الإنسان المسلم في التعامل مع ما حوله من قضايا وظواهر ومسائل ومعارف بمنطق الاجتهاد، الذي هو اعلى درجات البحث والتبين والكشف واستعمال طاقة الفكر في اقصى درجاتها، وتحري الموضوعية والنظر إلى الأمور من زواياها المختلفة، وعدم تحكيم الظنون والمسبقات، أو التسرع في الاحكام، أو التحيز