لذلك فإن صفة الشمولية التي اعتبرها الدارسون للإسلام من أبرز خصائصه، الخاصية التي تظهر جلية وشاخصة، ويتفق عليها هؤلاء الدارسون في علاقتها بخاتمية الدين وخلوده. والتحول الذي حصل في مفهوم الفقه من المدلول العام إلى المدلول الخاص بحيث يتقيد بالأحكام الشرعية في نطاق الأحوال الشخصية وفي دائرة السلوك الفردي، إنما بسبب الوضع العام الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية من تراجعات حضارية، أصابت حركة الاجتهاد بالجمود والإنكماش، فبعد أن كان الهدف الأساسي الذي تتوخاه حركة الاجتهاد وتتأثر به، كما يقول السيد (محمد باقر الصدر) هو تمكين المسلمين من تطبيق النظرية الإسلامية للحياة في المجالين الفردي والاجتماعي، الفرد بالقدر الذي يتصل بسلوك الفرد وتصرفاته، والاجتماعي الذي يتصل بإقامة حياة الجماعة البشرية وما يتطلبه ذلك من علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية. لكن حركة الاجتهاد في خطها التاريخي الذي عاشته على الصعيد الشيعي كانت تتجه في هدفها على الأكثر نحو المجال الفردي، فالمجتهد خلال عملية الاستنباط يتمثل في ذهنه صورة الفرد المسلم الذي يريد أن يطبق النظرية الإسلامية للحياة على سلوكه، ولا يتمثل صورة المجتمع المسلم الذي يحاول أن ينشئ حياته وعلاقاته على أساس الإسلام. وذلك لما تعرضت له حركة الاجتهاد الشيعي من ظروف موضوعية تسببت في العزل السياسي عن المجالات الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى تقليص نطاق الهدف. وتعمق هذا الانكماش مع مرور الزمن، وهكذا ارتبط الاجتهاد بصورة الفرد المسلم في ذهن الفقيه لا بصورة المجتمع المسلم. وبعد أن سقط الحكم الإسلامي بعد غزو المستعمر الأوروبي للبلاد الإسلامية، لم يعد هذا العزل مختصاً بحركة الاجتهاد عند الإمامية، بل قد شمل كافة المذاهب الإسلامية. ([19]) والتراجع الحضاري إذا حصل في أي أمة فإنه ينعكس بصورة شديدة وطردية على تراجع منظومة المفاهيم وما تحمله من مكونات الفاعلية والحيوية والإبداع. المكونات التي تفتقد مع مرور الوقت الإقتران الواضح والمباشر بتلك المفاهيم التي اصابها