مع ذلك لم يكن العنوان الذي اختاره “اركون” لكتابه بتلك الدقة، حيث يوحي بتجاوز مفهوم الاجتهاد إلى اللامفهوم أو ما قبل المفهوم، لأن عبارة “نقد العقل الإسلامي” لا تعبر عن مفهوم محدد ومنضبط، بقدر ما تعبر عن وصف للعملية الفكرية التي يفترض ان ينبثق عنها مفهوماً. وبعبارة أخرى فإنها تعني ممارسة النقد الذي يفترض ان يولّد مفهوماً، لكن ما هو هذا المفهوم؟ فهذا الذي لم يتضح أو يتحدد. لذلك فنحن نتمسك بمقولة “اقبال” ونجد أنها تعبر عن جوهر وروح الحداثة، ونتحفظ من جهة أخرى على مقولة “اركون” لغربتها ومغالاتها. (4) الاجتهاد منهج للتفكير الإسلامي إذا كان الاجتهاد في المنظومة الإسلامية قد ارتبط بالفقه، فلأنه الحقل الذي ارتبطت به الحضارة الإسلامية وأولته أكبر الاهتمام وهناك من وصفها بحضارة الفقه. ويراد من الفقه هنا المدلول العام الذي عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى (ليتفقهوا في الدين) والتفقه هو المعرفة العميقة والقويمة بالأدوات والمناهج التي تكسب هذا المستوى من المعرفة. ولا يعني التفقه مجرد الأحكام الشرعية التفصيلية، وإنّما معرفة المنظومة الإسلامية في أصولها وقواعدها العامة، وفي منظورتها الشاملة التي ترتبط بالإنسان والمجتمع والحياة. والحضارة التي بدأت بـ (إقرأ) فهي حضارةعلم وفقه ومعرفة ومن أكثر ما طالب به الإسلام، الإنسان هو أن يكون متفقهاً في الدين، ليكون الدين بصيرته في الحياة والنور الذي يهتدي به. من جهة ثانية فإن ارتباط الاجتهاد بالفقه، باعتبار إن هذا الحقل بوجه خاص يستدعي أقصى درجات الجهد الفكري والنفسي والبحثي للوصول إلى أعلى مستويات الإطمئنان في التعبد والإلتزام بالدين، فالإسلام من بين كل الديانات السماوية الأخرى الذي ربط حياة الأمة بكل أبعادها وجوانبها بالفقه والتشريع،