مقولته فقد استعمل مفهوم الحركة بحسب المدلول الذي يعطى له في الفلسفة، ويقصد منه انتقال الشيء من القوة إلى الفعل على سبيل التدرج. وهذا يعني ان الاجتهاد هو الذي يقوم بدور نقل الفكرة الإسلامية من حيز النظرية إلى حيز التطبيق، ويعطيها التحقق الفعلي ليس بطريقة فورية أو في دفعة واحدة، وإنّما على سبيل التدرج وفق قاعدة مقتضيات الزمان والمكان. أما محاولة “محمد أركون” في كتابه “من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي” فهي تندرج في سياق نقده الحاد والصارم للفكر الديني والتراث الفكري الإسلامي بالطريقة السجالية المعهودة في الغرب. فأركون غالباً ما يصور حاله وكأنه في نزاع وصدام مع الفقهاء والعلماء الدينيين، الذين يشتغل على تراثهم ومقولاتهم واجتهاداتهم، ولعله يريد ان يتمثل دور المثقف الأوروبي في نزاعه مع سلطة رجال الكنيسة الدينيين في كسب الشرعية لصالحه، وهكذا في الدفاع عن العلمانية التي يريد ان يبحث لها عن مخرج تتوافق فيه مع الدين، فحين يريد تفسير لماذا لم يشهد الوعي الجماعي الإسلامي المعاصر تلك القطيعة النفسية والثقافية بالدرجة نفسها التي شهدها الغرب المعَـلْمن منذ القرن التاسع عشر على الأقل، فإنه لا يريد ان يعزو هذا الاختلاف إلى مقدرة الإسلام على مقاومة حركة العلمنة بفعالية أكثر من المسيحية، لذلك فهو يدعو إلى تصفية ما يصفه بالمواقع التبجيلية والافتخارية التي تزعم ان الإسلام قادر على مقاومة العلمنة بفضل تعاليه الإلهي وحده([16]). ويعلن “أركون” عن هذه السجالية في أول ما يفتتح به كتابه إذ يرى “أن مسألة الاجتهاد معتبرة داخل تراث الفكر الإسلامي بصفتها امتيازاً يحتكره الفقهاء”([17]) لذلك فهو يدعو إلى تجاوز المفهوم التقليدي للاجتهاد والممارسة العقلية المحدودة والمرتبطة به، وذلك عن طريق النقد الحديث للعقل. لأنه كما يضيف، لم يعد ممكناً للفكر الإسلامي ان ينغلق على نفسه وينعزل داخل أطار العقل الأصولي والاطلاقي الذي لم يتح له ان يشهد حتى اصولية النقد الكانتي واطلاقية الديالكتيك الهيغلي([18]).