والدفاع عنه، إلى جانب مفاهيم أخرى، وهكذا توالت وتطورت المفاهيم بما يستجيب للشروط والحاجات الموضوعية والتاريخية. ولقد وجدت أن المفهوم الذي يقارب مفهوم الحداثة عند الغرب في تجربة المسلمين الحضارية هو مفهوم الاجتهاد، والذي يقارب مفهوم التقدم في التجربة الإسلامية هو مفهوم العمران. ويعد “ابن خلدون” في طليعة الذين عرّفوا بمفهوم العمران؛ حيث قدمه كعلم له نسقه المعرفي وحقله الدلالي وتجربته التاريخية والحضارية، وأطلق عليه علم العمران البشري في كتابه المعروف بالمقدمة، واكتسب هذا المفهوم شهرة وتداولاً على نطاقات واسعة، الأمر الذي يبرهن على حقيقة قصدت التأكيد عليها، وهي ان مقدمة “ابن خلدون” التي عدّت فتحاً مهماً في تكوينات العلوم الاجتماعية، وقدمت أكثر الأفكار والمفاهيم تطوراً وتقدماً في وقتها، واحتلت موقعاً مرجعياً نادراً، ما وصل إليه كتاب آخر. هذه المحاولة المتقدمة في الكشف والتحليل المعرفي والمنهجي هي التي تبلور فيها مفهوم العمران واكتسب منها نضجاً وعمقاً وتماسكاً. أما مفهوم الاجتهاد فيمكن اعتباره احد أهم المفاهيم الذي ابتكرته المنظومة الإسلامية وانفردت به الحضارة الإسلامية. فقد نشأ وتطور في الإطار الزمني والتاريخي لهذه الحضارة، وترك تأثيراً مهماً في منظومة الثقافة الإسلامية، وفي تكويناتها وتشكيلاتها، وعلى حركتها ومساراتها. هذا المفهوم بحاجة إلى حفريات معرفية جديدة لاستظهار مدلولاته ومكوناته ومفاعيله، فهو من المفاهيم العميقة والمتجددة والفاعلة. وكنت أتصور إنني انفرد بهذا الرأي الذي سعيت إلى الإشهار به، وفتح مجال التفكير والنظر حوله، إلى ان وجدت من يتبنى مثل هذا الرأي، وهو الدكتور “حسن حنفي”؛ إذ يرى ان “الإسلام عن طريق الاجتهاد هو اكبر دين حداثي، لأنه يعطي الفرع شرعية الأصل، ويعترف بالزمان والمكان وبالتطور، وان إجماع كل عصر غير