والتمدن بصورة تصاعدية وتكاملية، والحداثة كانت تعبر عن روحها ومضمونها في كل تلك المراحل بصورة مختلفة حسب مستويات التقدم والتطور. وهذه القاعدة بالإمكان ان تصدق على تجارب حضارية أخرى مرت على التاريخ الإنساني، إذا كانت هناك حفريات معرفية واستكشافات تاريخية وتحقيقات وتنقيبات في الآثار والوثائق والمخطوطات وتدوين المعلومات والحقائق وكتابة التاريخ بإحاطة ودقة وموضوعية. وتقريب تلك القاعدة على تجربة الحضارة الإسلامية، التي ابتكرت لها منظومة من المفاهيم كانت وثيقة الصلة والارتباط بتلك التجربة في مراحلها وتطوراتها وأزمنتها المختلفة فالنبي محمد(صلى الله عليه وآله) استقبل الوحي بآية “إقرأ” التي أسست لمفهوم العلم مقابل مفهوم الجاهلية، وحينما تكوّنت الجماعة الإسلامية الأولى في طور آخر بمكة ظهر مفهوم التوحيد كنقيض لمفهوم تعدد الآلهة، وبعد تشكل مجتمع إسلامي في المدينة على اثر هجرة النبي(صلى الله عليه وآله) إليها، نشأت مفاهيم الهجرة والشريعة، الهجرة ارتبطت بتكوين مجتمع إسلامي بتعاقد وتآلف بين المهاجرين والأنصار، والشريعة التي حددت التكاليف والواجبات والحقوق، ونظمت علاقات المسلمين بالدين وبالنبي(صلى الله عليه وآله) وفيما بينهم، وبعد فتح مكة ودخول الناس أفواجاً في دين الله تغيرت صورة المسلمين من صورة مجتمع إسلامي صغير نسبياً في المدينة إلى صورة امّة إسلامية كبيرة، فتحددت بعض المفاهيم الأساسية، في مقدمتها مفهوم اكتمال الدين بنص الآية الكريمة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)([10]) ومفهوم ختم النبوة، الذي يرتبط باكتمال الدين، وتحديد علاقة المسلمين بالنبوة، والمفهوم الآخر الوثيق الصلة بالمفهومين السابقين هو مفهوم العالمية الإسلامية والدعوة الإسلامية، الذي حمّل الأمة والمسلمين كافة مسؤولية تبليغ الدين ونشره في أرجاء العالم وحمايته