تفتقد الحد والرسم المنطقيين، كالتعريف الذي يطرحه “تيري ايجلتون” في كتابه “أوهام ما بعد الحداثة”، إذ يعتبر هذا التيار “أسلوب تفكير يشك في الأفكار الكلاسيكية عن الحقيقة والعقل والهوية والموضوعية وبفكرة التقدم العام والتحرر، وبالإطارات المفردة، وبالسرود الكبرى أو التفسيرات النهائية. وعلى أرضية مثل هذه الأنماط التنويرية من الفكر يبدو العالم بلا أرضيات، متعدداً غير مستقر، يصعب تعيينه، طقم من الثقافات غير موحد”([7]). لذلك فقد تعددت المواقف المتباينة والمتعارضة تجاه هذا التيار بين النخب في الغرب، بين من يرى فيه حركة نكوصية وارتدادية وعبثية، ومن يرى فيه حركة تجديدية وتقدمية واستنهاضية. من الحداثة إلى الاجتهاد مفهوم الحداثة ابتكره الغرب ويعبر من خلاله عن تجربته الفكرية والتاريخية، التي هي بلا شك تعتبر من أضخم التجارب الفكرية في التاريخ الحديث والمعاصر، ويعبر كذلك عن رؤيته للتقدم والحضارة. هذا المفهوم حاول الغرب ان يحتكره لنفسه، ويربطه بتاريخه وجغرافيته، ويلحقه بمنظومته الفكرية والفلسفية. وبطريقة تصور الحداثة هي الغرب، والغرب هو الحداثة، وليست هناك حداثة خارجة عنه، لأن الغرب حسب “فوكوياما” هو نهاية التاريخ، وهو الذي يقود حضارة العصر، وما بعد الغرب هو بربرية ووحشية وتخلف، أو حسب الزعم الذي يرفضه “راينهارد” بأن الحداثة شأن غربي، والتقليد شأن شرقي. والغربيون يسجلون تاريخ الحداثة في تحولاتها ونهضاتها وخطاباتها بحيث لا تتجاوز حدود أوروبا، وكأن البشرية لم تشهد حضارة وتقدماً في تاريخها إلا في الغرب. فالحداثة تبدأ من الغرب واليه تنتهي. وقد بذل المستشرق الايرلندي الأصل “ديلاسي أوليري” جهداً لكي يبرهن على ان لا مكانة تستحق الاعتبار للفكر العربي الإسلامي في تاريخ الفكر الإنساني بكتابه الذي يحمل عنوان “الفكر العربي ومكانه في التاريخ”. والأفدح من ذلك انه حاول ان يجد تأثيرات أجنبية من الثقافات الأوروبية يرجع إليها نشأة وتكوّن أبرز