دقيق حيث يغالي في تقدير قوة العلمانية التركية، والتقليل من أهمية الكتابات الإسلامية، التي يرى “جولألب” بأنها مليئة بالموضوعات المألوفة كثيراً في العالم الغربي، وتتناول الكثير من القضايا والاهتمامات والحلول المقترحة للمشاكل المتداولة في العالم اليوم. وهناك من اظهر مثل هذه المقاربات بالتأكيد على قيمة المنظور النقدي لتيار ما بعد الحداثة وفائدته في تكوين فهم ودراسة للإسلام والقضايا الإسلامية، يختلف بصورة كبيرة عن نمطية الفهم المتوارثة والمتحيزة والجامدة. وهذا ما توصل إليه محررا كتاب “الإسلام والعولمة وما بعد الحداثة” وهما “اكبر أحمد” و”هاستنجز دونان”([6]) إلى جانب محاولات أخرى. ولعل من أهم ما كشفت عنه هذه الظاهرة، هو ان خلخلة مفهوم المركزية الأوروبية وتفكيك الذهنية النمطية الجامدة والمغلقة والأسطورية التي ينظر الغرب من خلالها إلى العالم، سوف يكون من نتائجها المفترضة تبدل أنماط العلاقة وذهنيات الفهم وإشكال القياس والمطابقة بالثقافات والحضارات غير الأوروبية، وفتح المجال أمام الشعوب في ان تبرز ما لديها من ابتكارات وإبداعات ونماذج وأخلاقيات مطمورة أو مجهولة أو لا يتسلط عليها الاهتمام، كالذي حاول التأكيد عليه ولفت الانتباه إليه “روجيه غارودي” في كتابه “حوار الحضارات” وضرورة ان يتخلى الغرب عن بعض كبريائه المفرط وتعاليه المبالغ به، ويعيد النظر في شكل علاقته، بالأمم والشعوب والحضارات خارج مركزه ومحيطه. وقد أصبح من الممكن ان يواجه الغرب ذاته نتيجة انقسام الحداثة على نفسها، وظهور حركة نقدية صارمة في داخله مع تيار ما بعد الحداثة الذي مازال يحتفظ بتأثيره وفاعليته، مع ان هويته لم تتحدد بصورة واضحة، ولم يستجمع رؤيته الاجتماعية، ويكوّن له نسقه الفكري المتماسك، لذلك فالتشتت والغموض والتفتيت هي الملامح الغالبة عليه، بحيث يستعصي على التعريفات أو الحدود المنطقية، والتعريفات التي نطرح هي اقرب ما تكون إلى التوصيفات العامة التي