وكلما توسّعت رقعة الإسلام، وتنوّعت الأعراف والعادات، وازدادت وتضاعفت الحاجات في صعيد الشريعة والأحكام، أو في حقل الأقضية والفتاوي، توسّع واستكمل نطاق الاجتهاد، كما اختلفت الآراء والأقوال وبرزت المذاهب والمدارس الفقهية في البلاد، حتى أصبح علم الفقه والاجتهاد من أبسط العلوم وأطولها، بل وأهمها في الإسلام، ذا شقوق وفروع وأصول وأركان، مرتبطا بجملة من العلوم الأدبية واللغوية القرآنية والحديثية وغيرها. وقد تكفّل علم برأسه – وهو علم أصول الفقه – بيان أصوله وضوابطه وأسسه وقواعده. هذا هو مصير الاجتهاد عند الجمهور، وأما الشيعة الإمامية فكانوا يكتفون إلى أواسط القرن السابع الهجري – رغم استكمال الفقه عندهم وتوسّعه - بالتعبير عن هذا العلم بلفظ (الفقه) وعن عملية الاستنباط بلفظ (التفقه) جريا على طريقة السلف واتباعا لأئمتهم من آل البيت عليهم السلام مجتنبين التعبير بـ(الاجتهاد) لأنه كان عندهم مساوقا للرأي والقياس اللذين نهى عنهما الأئمة، وقد جوزهما كثير من فقهاء الجمهور. قال الشيخ الطوسي – المعروف بشيخ الطائفة الامامية – (385 – 460هـ) في كتاب (عدّة الأُصول)([2]). بعد ذكر أصول الأحكام عنده: (وقد ألحق قوم بهذا القسم الكلام في الإجماع والقياس والاجتهاد... – إلى أن قال: وذلك غير صحيح على قاعدة مذاهبنا... وأما القياس والاجتهاد فعندنا أنهما ليسا بدليلين، بل محظور استعمالهما...). فالشيخ الطوسي ، وهو يعيش في أوساط القرن الخامس الهجري بقي الاجتهاد عنده على معناه الأول مرادفا للقياس كمصدر للفقه عند الجمهور، لما ثبت عنده في المذهب أنه محظور من قبل الأئمة من آل البيت، ولاسيما الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام الذي كان يؤكد على تحريم العمل بالقياس والرأي، ويناقش أصحاب الرأي وعلى رأسهم الإمام ابا حنيفة كما جاء في المصادر([3]).