إن انتشار التعليم في كل الأوطان العربية والاسلامية، هو السبيل الذي لا بديل عنه إلى مقاومة الجهل والأمية، من أجل تحرير العقول وتخليصها من رواسب التخلّف والانحطاط. ومتى أدركنا هذه الغاية الطموحة، بوسائل التخطيط العلمي السديد، واستجماع القدرات المادية والمعنوية اللازمة لتحقيقها وإنجاحها، نكون حينئذ قد خطونا شوطا متقدما نحو امتلاك الشروط الأساسية لصناعة المعرفة وإنتاج الكفاءات المقتدرة. إن الرقي لا ينبت في بيئة جدباء، كما أن العلم لا يحصل في العقول الهزيلة المظلمة. ولن يجدينا الخوض في مقولات الماضي، واجترار المسائل القديمة، بعيدا عن هموم واقعنا ومتطلباته. بل لن تكون للماضي أية قيمة جوهرية حضارية، مالم تستخلص منه عصارة جهد الأقدمين وخلاصة تجاربهم بما يكون طاقة حيوية تدفع الحاضر، ومصدر إلهام حقيقي يفتّق المواهب ويذكي قيم الإبداع. ولن ينفع التراث الأجيال المتعاقبة، إذا ما سكنت إليه ونامت على مقولاته، واستعاضت بالأمجاد القديمة عن صنع أمجادها الجديدة. وسائل التقريب إن جهد الاجتهاد يجب أن ينصبّ في بلورة فهم صحيح سوي، تتشخص فيه سلبيات الماضي وإيجابياته، وإشكاليات الحاضر وهمومه، بغرض التوفق إلى صياغة معاصرة تتوفر فيها ضمانات التقدم والازدهار للأجيال القادمة. ومن أجل ذلك، نرى لزوما تخطي عقبات الخلاف القديم بمختلف سلبياته العقيمة، بالبحث عن مساحة جديدة تتجمع فيها كل الطاقات والقدرات متضامنة متراصة، مع توظيف مجال الاختلاف في الرؤى والتصورات إلى عامل ثراء و تنوّع وإبداع . وهل من سبيل إلى ذلك إلا بتوحيد الإرادات والعزائم الصادقة، التي تريد أن تخدم شعوبها وأوطانها بإخلاص وتفان. وإن الحرص على إنشاء المجامع العلمية والأكاديميات المتخصصة، في شتّى فروع العلم واختصاصاته، كفيل بأن يمكّن للطاقات الخلاقة المبدعة مجالا للتعبير الحر