4) الاجتهاد الجماعي وأثره في التقريب بين المذاهب معوّقات الوحدة: وأخطرها على الأمة عوامل التجزّء والتشتت ضمن الإقليمية الضيّقة، وغياب الشعور الجماعي بوحدة الانتماء والمصير. ومن أسبابه التاريخية استهداف المخططات الاستعمارية، قديما وحديثا، تفتيت كيان العرب والمسلمين، والعمل على زرع فتن الصراعات والخلافات وإشعال فتيل النزاعات والحروب. ولا زالت المصالح الاستعمارية تغذّي دواعي الشكوك، وتدعّم مشاعر فقدان الثقة. ولم يكن ليتهيأ للاستعمار الأجنبي ما تهيّأ له من فرص الانقضاض والتسلل إلى أعماق الأمة، إلا بما وجده من أسباب الوهن والضعف فيها، بسبب تخليها عن واجبها الديني والحضاري في أن تكون وحدة قوية في مدافعة قوى الشر والبغي. بل توسع الخرق وتباعدت المسافات على قربها، وحلّت العداوة محل التآخي، والدسائس محل التآزر والتناصر والتعاون. ولقد حاول الاستعمار جهده تأييد عوامل الفرقة، بإحياء نوازع عرقية ولغوية قديمة، من شأنها، إذا تمكّنت من الوجدان العام أن تلغي، في زعم هؤلاء، عوامل الوحدة الجغرافية والتاريخية والثقافية. إنها محاولة خطيرة لاستبدال جغرافيا الوحدة بجغرافيا الشتات، ولتحريف تاريخ الوحدة وتشويه معالم التجانس الثقافي والحضاري. ولقد سبق زعماء الاصلاح الديني والسياسي منذ بدايات القرن التاسع عشر، إلى تنبيه الغافلين إلى هذه الحقائق، بالكشف عنها، وتوعية الشعوب إلى مخاطرها القريبة والبعيدة. إن الأمة تتحمل مسؤولية تاريخية لا يستهان بها في تغيير أوضاعها المتخلفة، بإدخال عوامل الحيوية الثقافية، وتجديد البنى الفكرية، واقتباس ما يلائمها من أشكال النهوض الاقتصادي والاجتماعي، وابتكار أساليب حديثة من شأنها أن تجدد الروح العامة، وتنشئ في الأجيال المتعاقبة أملا قويا دافعا إلى الانجاز والتعمير وبناء أسباب القوّة. قال الله تعالى: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) (الرعد/11).