الانخراط والتفاعل، ومطالبون بالمشاركة الفاعلة والمساهمة الإيجابية، حتى لا تفوتنا قاطرة الأحداث، فنبقى مراوحين مكاننا، يرفضنا الحاضر، ويتخطّانا المستقبل. وليس لنا من طريق إلى تحقيق الذات، إلا بخوض غمار الأحداث ، فعلا وانفعالا، أخذا وعطاء. وكل ذلك مشروط بالاستجابة الواعية لمتطلبات العصر، وتمثّل خاصياته تصوّرا وتطبيقا، مع امتلاك أسرار آليّاته المتعددةفي تحقيق التنمية والتقدّم. وهل من سبيل إلى ذلك، إلا بإعلاء راية الاجتهاد، وتكريس مبدا التفكير العلمي الحر، وتشجيع طاقات البحث والمعرفة. فما العطاء الحضاري إلا صورة لتجلي عالم الأفكار، من خلال الإمكانات المتاحة، وامتلاك الخصوبة الكاملة، والقدرة على الابتكار والإبداع ، مع فتح نوافذ عريضة للتبادل المعرفي، واللقاح الحضاري، والمثاقفة مع الآخر، بشرط امتلاك القدرة على الثبات والتوازن، وعدم فقدان المعايير. ومن هنا تبرز القيمة القصوى، لضرورة تطوير مناهج البحث وتحديثها، وتزويدها بالإمكانات واللوازم الضرورية، وتحويل الفضاءات العلمية الجامعية إلى ورشات ومخابر تنتج المعرفة وتصنعها وتسوقها، وتولّد الطاقات الخلاقة، المبدعة المقتدرة، التي على سواعدها يبني مجد الأوطان وقوّتها. إننا لمستيقنون ، مطمئنون ، إلى أن جملة هذه السياقات والاختيارات، ومجموع هذه التصورات، مع ما يترتب عليها من مستتبعات التمدن والرقي، لا يضيق بها صدر الإسلام، ولا ينوء بها كاهل الاجتهاد كقدرة على التوليد والتجديد والامتداد. بل إن الآفاق الرحبة التي يجلّيها الوحي، وتدعو إليها تعاليم الإسلام، لا يتحدد مداها، ولا يقصر منتهاها، بل تخترق الحجب وتنفذ إلى كل الأبعاد والمسافات، ولو طالت إلى ماوراء العرش، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لو تعلّقت همّة المرء بما وراء العرش لناله) . وإذا كانت عجائب الكون وأسرار التاريخ والحضارة لا تتوقف، فإن دلائل الآيات عليها في القرآن لا تنضب. قال تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) (الكهف/ 109).