3- الاجتهاد في المسائل التي لم يرد فيها نص. وهنا تبدو مهمة المجتهد دقيقة غير يسيرة، إذ هي مشروطة في تحقيق أغراضها ومقاصدها، بمدى كفاءة المجتهد، وتوسع قدرته، وإلمامه بقضايا زمانه، وضرورات عصره. فهو مطلوب بتوليد الحكم الشرعي وإنزاله على الوقائع المستجدة، إنزالا يلائم بين مقصد الشارع الحكيم، في جلب المصالح ودرء المفاسد، وبين مقتضيات العصر ومستجداته. وهذا المعنى يعد من الأغراض الأساسية المطلوبة شرعا، لرفع المشقة والحرج عن المكلّف، وتحقيق الحاجيات والمصالح الفردية والاجتماعية، مع مراعاة سياق الضوابط والشروط المعتبرة نصا وعقلا. وبذلك نجنب أنفسنا الوقوع في التعطيل والجمود، سواء بإعاقة العقل عن أداء دوره، أو إلجام النص وإزاحته عن واقع الأحداث. ويلوح لنا، بعد هذا البيان، أن المراد بالاجتهاد، لا أن نلغي تجارب السابقين، ولا أن نشيح بوجهنا، عن جملة الانجازات والتراكمات التي حدثت بتعاقب السنين، والتي استفادت من زخمها حضارة العصر، أو أن نقطع مع الجذور والأصول ونعدم الموروث، لنعيد البداية ونرجع بحركة التأسيس إلى نقطة الصفر، فنكون بذلك كمن بتر جزءا من بدنه، أو عطل عضوا من أعضاء حركته. وليس القصد من الاجتهاد كذلك، أن نهمل واقعنا، ونضرب صفحا عن مشاكلنا وقضايانا، فنكون مغيبين عن سياق عصرنا، ضاربين في متاهات الأزمنة البائدة. وفي تقديرنا، أن الاجتهاد يستوجب فهم الواقع في إطار النص المرجع، وفي ضوء القدرات والاستطاعات المتوفرة، وضمن القضايا والإشكاليات التي تطرحها سياقات العصر وتمخضات الأحداث. لتكتمل بذلك عناصر المعادلة، وهي: النص، والعقل، والحادثة. ولابد لنا أن نلاحظ أن توفـّر المعارف والتخصصات، والأدوات المساعدة، التقنية والعلمية، التي تمكّن من التعامل مع حركة الحياة والمجتمع، من شأنها أن تساعد على توليد الأفكار وتجديدها، مجردة عن المشاعر الضيقة والأماني القصيرة المدى.