ويلزم الأمة أن تثق في إمكانياتها وقدراتها، بتفعيل أدواتها الناجعة لتغيير واقعها الرديء ، واستعادة عافيتها الحضارية، وذلك باعادة تأصيل الرؤية التاسيسية للإسلام، لقضايا الحرية في علاقتها مع القدر، ولقضايا العقل في محاورته للنص والوحي، بغية تخليص الدين من التأويل الجاهل، والانتحال الباطل، والتحريف المغالي، وبناء الفكر الناقد القادر على التحليل والاستقراء، والاستنتاج والتقويم والمراجعة، وتجريد الرؤية الشرعية من حدود الزمان والمكان تحقيقا لمعنى الخلود فيها. ويلزم مع ذلك، كسب الاستعدادات الضرورية للتعامل مع المتغيرات العالمية، بامتلاك ناصية العلوم والتقنيات ، مع القدرة على الابتكار فيها والمنافسة. إننا مطلوبون إلى أن لا نبقى في غربة عن الزمان والمكان، وأن لا نركن إلى الاجترار، لكي لا نقع في الجمود القاتل. وكان لابد أن يفسح الإسلام في داخله مجالا للتطور الإنساني، بعد أن كمل الدين، بإتاحة مساحات شاسعة للاجتهاد، من أجل ملاءمة الأوضاع المتغيرة، والاستجابة للحاجات المتجددة، ومتى تعطلت هذه الآلة، توقف العقل عن دوره في إنتاج الحضارة. وكل دعوى إلى إيقاف حركة الاجتهاد، إنما تصدر من جهل بحقيقة الإسلام، وهي في بعض الحالات دعوى باطنة مغرضة، لا تخلو من دسائس ومؤامرات تريد الوقيعة بالمسلمين. إن مؤتمرنا هذا، يتيح لنا فرصة ذات بال، للإفصاح عن حقيقة ما يجيش في أنفسنا من آمال عريضة إلى تجاوز هنات الماضي، ومعوّقات الحاضر، بغية استشراف مستقبل أكثر توحّدا وتكاتفا، وتشابكا للمصالح والمصير. وما اجتماعنا هذا، إلا مجال مناسب للتلاقي ، من أجل تبادل الخبرات، وتصويب وجهات النظر، وتوحيد الجهود، وإزالة عقبات الخلاف المقيت . وهي مسؤولية جسيمة يتحملها العالم على وجه الخصوص، امام الله، وأمام الأمة ، بهدف إنشاء وعي إيجابي جديد، كفيل باستنهاض القوائم وتحريك الهمم والسواعد.