فزمان يأكل فيه جماهير الناس الربا جهاراً ويقع الكثير منهم في الزنا ايشتغل عاقل فيه بتعنيف القائلين بحرمة أكل لحوم الخيول أو إباحتها، أو بلمز من يبيح الشرب قياماً أو يمنعه؟!. والتجديد لا بد ان يطرق هذه الساحة، بل حقيقته الكبرى تكاد تكون مقتصرة عليها، إذ التجديد في القواطع مقتصر على الاسلوب دون سواه، إلا ان التوجيه لا ينفك عن الحكمة والموعظة الحسنة حتى يستقي الجميع من غيث التجديد ـ مع مراعاة الأولويات ـ، خصوصاً عندما يتوفر شرط مما يلي: أ ـ أن يدعمه دليل قوي نصي أو مصلحي وان لم يرق إلى درجة القطع. ب ـ ان يسبب تركه فتنة عظيمة فهنا يؤمر به لا لأجل العمل بالراجح فحسب، بل دفعاً للمفسدة والفتنة وذلك في الأمور العامة كالشروط المتعلقة بصلاة الجمعة ونحوها. ج ـ ان يترك الناس العمل به استخفافاً بالدين واعراضاً عن الدليل، فهنا لابد من النصح لوقوع هؤلاء في الاعراض عن كتاب الله وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم). وعليه فالتجديد لا يهدف إلى طمس جهود الآخرين، لذا مال بعض الفقهاء والاصوليين إلى اعتبار الخلاف في المسائل الظنية فيبني على قول مخالفيه القائلين بالصحة لدفع مفسدة أو جلب مصلحة أعظم من العمل بالراجح([59]). والظاهر ان ثمة خلافاً بين الإباضية في مراعاته فاعتبره بعضهم كأبي علي موسى بن علي كما في قوله في مسألة النكاح بدون ولي، والظاهر من كلام نور الدين عدم اعتباره في قوله: وإن حكمت فاقصدن الأعدلا([60]). والغاؤه يجني على المخالف في الرأي مع أنه مستمسك بما أداه إليه اجتهاده أو اجتهاد من يقلده فهو مأجور على متابعة الشرع في تصوره، خصوصاً عند انتشار قوله وعمل جماهير الناس به، ويتأكد ذلك أكثر في المسائل التي تترتب عليه مفسدة،