ووجود التطبيق الواقعي يؤكد واقعية الدين من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يسهل الاقتداء لوجود النموذج الواضح امام المقتدي ـ وهي من غايات قصص القرآن والسنة ـ ودعوة المسلمين قبل ان تكون بأقوالهم تكون بأعمالهم واخلاقهم فبسببها دخل كثير من الناس في دين الله أفواجاً. والإسلام لم يكتف بمحاكمة القضايا فقط، بل اوجد البدائل التي تخلص الناس من المحن التي ربما واجهوها، فالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كثيراً ما يبين هذه البدائل حتى في العبادات، فأرشد المسلمين إلى عيدي الفطر والاضحى بدل اعياد المشركين، وانشأ للمسلمين سوقاً تخصهم حتى يستغنوا عن معاملة اليهود، ولضعف الطرح الإسلامي في هذه الآونة جاءت البدائل متأخرة، ولربما أخذت من غير المسلمين وذلك لقلة الفقهاء الجامعين بين براعة التحقيق وثاقب النظر، فالبنوك الربوية التي سلبت المسلمين شطر اموالهم لم يستطع المسلمون ايجاد نظام يحل محلها، إلا بعض المحاولات التي لم تكتمل بعد كالبنوك الإسلامية والجمعيات التعاونية، ولعلها إلى الآن ـ فيما أحسب ـ لم تؤطر في اطارها الشرعي من جميع جوانبها. والقوانين الوضعية لم تستبدل بقوانين إسلامية في المحاكم إلا ما يتعلق بالأسرة واحياناً بالقضايا المدنية، ولم تعالج إلى الآن القضايا الجنائية وفق النظام الإسلامي، فلابد من النظر فيها بعين الاعتبار مع مراعاة النواحي الاجتماعية والدراسات النفسية والنظم الاقتصادية حتى ينزل النص الشرعي عليها، وبذلك تقطع اعذار المحاولين للتهرب من قبضة النصوص. وان كانت غاية التجديد تكمن في صياغة الناس العقلية والنفسية والدينية لتوافق هدي الكتاب والسنة، وذلك يعتمد على ركيزتي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فانه يتأكد في المسائل القطعية، إذ ينبغي جعلها نصب عيني الداعية، اما في القضايا التي يسع فيها الخلاف فليس الامر فيها كسابقتها، إذ التباين بين الأمرين اعظم من الفارق بين السماء والارض، فالمخالف في الظنيات متعلق بما يسوغ له شرعاً بخلاف القطعيات.