وهذه السنن تؤخذ من النصوص القاطعة ومن البرهان التجريبي القاطع، فاذا تضمنته القواطع فعلى المسلمين ان يسعوا لاكتشاف اسرارها حتى يبرهنوا على صحة ما فيها لينجلي للناس ما في وحي الله من إعجاز يشد المتأملين إليه، فيجتذبهم إلى اتباع الحق المبين، والعناية بهذه الجوانب تعد من ضروب التجديد. أما إن استظهرت من الأدلة الظنية في دلالاتها أو في ثبوتها فانها تخضع للتجربة حتى يظهر لهم صحة تفسيرهم وفهمهم للظني في دلالته من عدمها، إذ قد يتبين لهم على خلاف تصورهم، وعند عدم المطابقة قد يكون برهاناً على الوضع أو الوهم في نسبته للمعصوم(صلى الله عليه وآله وسلم) للشذوذ الحاصل إذ مخالفة الواقع تعد منه. وعدم تصور الواقع يجعل المرء لا يتمكن من تحقيق المناط لأنه لا يعرف الجزئيات التي ينزل عليها الحكم الكلي، ولا يمكنه أن يقيس لعدم تمكنه من معرفة تحقق العلة في الفرع وبذلك ينهار بنيان التجديد والاجتهاد معاً. وتحقيق المناط يتطلب اعادة النظر في الواقع وفي علل الشريعة ومراميها، إذ لم تبن أحكامها على الأسماء وإنّما نظرت إلى الحقائق وآثارها، وقد تبقى الاسماء مع تبدل مضامينها والعكس، فلذا لابد في زماننا من إدراك أدق للواقع لأن الحكم متوقف على تصوره، ومن العجيب ان بعض الباحثين حاولوا استنطاق كلام المتقدمين لتنزيله على أرض الواقع، مع انهم ـ المتقدمين ـ لم يتصوروا شيئاً منه، وإن أمكن ان يعمه لفظاً، لان تلك الصورة لم يفطنوا لها، والصورة الشاذة لا تدخل في العموم على قول بعض الأصوليين في النصوص الشرعية، فكيف بكلام من لا يتصور الواقع اصلاً مع ان الحكم فرع عنه؟!. والحقائق قد تخفى على غير العارف وتخدعه الظواهر خصوصاً عند حصول قضايا جديدة لم يتصورها، وادراك حقائقها يشكل نصف طريق معرفة حكمها وهو من اساسيات التجديد والاجتهاد فبدونه لا يمكن الحكم على الواقع.