فالإمام الشاطبي يعد من كبار المجددين في المقاصد، وهو مجتهد في مجاله، وذلك ملموس من موسوعته "الموافقات"، وقد بين الاستاذ الريسوني ملامح التجديد التي نالها، والإمام الفرسطائي أخذ نصيبه كاملاً غير منقوص في مجاليه السياسي التربوي والعمراني، أبرز الأول بإنشائه لنظام العزابة وتأطيره له في اطار عقلاني يستطيع مواكبة العصور مع تبدل الظروف فيها، وهو يؤدي رسالته المرجوة، واستطاع هذا النظام الثبات لما يزيد على الف سنة إلى الآن. والثاني ظهر من خلال كتابه القيم "القسمة وأصول الأراضين" إذ ربط الصور بأحكامها وبذلك يستفيد الدارس لفني العمران والفقه. والتجديد كما يستلهم معطياته من النصوص فهو أيضاً يمتزج بالواقع؛ فلذا كان لزاماً على المجدد أن يستنير بسنن الله تعالى في الكون فالله تعالى يقول: (ولن تجد لسنّة الله تبديلاً)([45]) ويقول جل شأنه: (ولا تجدُ لسنّتنا تحويلاً)([46]) وهذه السنن تشمل القواعد الكونية في مختلف المجالات التي يحتاج إليها الإنسان فتعم علوم الاجتماع والنفس والعلوم الفلكية، فلذا أبرز الله تعالى بعضها في كتابه أو على لسان نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأوكل بعضها إلى عقول الناس حتى يستجلوها من واقعهم (ولكل مجتهد نصيب). فالله تعالى يقول: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تُغني الآياتُ والنُّذرُ عن قوم لا يؤمنون)([47]) ويقول أيضاً جلَ شأنه: (قل سيروا في الارض)([48]) هذا لأجل عالمية الدين وشموله لمختلف مجالات الحياة. وفي هذه الآونة التي تمر فيها الأمة بظروف حرجة بعد ان نشبت الجاهلية فيها اظفارها؛ لابد أن نستفيد من السنن الكونية سنة الله في النصر (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)([49]) وهذه السنة الالهية الثابتة بهذا النص الواضح عليها في الكتاب المبين يمكن لمقلب صفحات التاريخ ان يستجلي بعض مشاهدها الرائعة، بل يمكن أن يرى بعضها بأم عينيه في وقائع عصرنا، وما انهيار الاتحاد السوفيتي "حسب ما كان" منا ببعيد.